وقوله: ( وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) يقول: وهو الذي يليكم بإحسانه وفضله, الحميد بأياديه عندكم, ونعمه عليكم في خلقه.
إعداد الشيخ عبد المجيد الزنداني رئيس جامعة الإيمان في اليمن إ ن الله خلق الخلق وقدر المقادير وأجرى السنن لانتظام سير الكون، وضبط تعامل المخلوقات مع تلك السنن ولتكيف حياتها وفقاً لها، ولكن الذي قدر تلك السنن يستطيع أن يوجد آثارها عن طريقها أو عن طريق سنن أخرى غيرها أو بأي كيفية يريدها في أي وقت يشاء. قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ (يس:82. وهو الذي ينزل الغيث خطبة. ومن ذلك ما نعرفه من إجابة الله لدعاء المسلمين الذين يخرجون لصلاة الاستسقاء عندما يشتد الجفاف في بلادهم فيفرج الله عنهم كربهم ويجيب دعوتهم ويسوق الغيث إليهم في غضون ساعة أو ساعات، وبعضهم لا يرجع من مكان صلاة الاستسقاء إلا تحت وقع المطر في وقت يئس الناس فيه من سقوط المطر، لأن السنن المعتادة لنزوله غير متوفرة. لكن خالق السنن سمع استغاثة الداعين ولجوء اللاجئين إليه ورأى مكانهم الذي هم فيه فساق إليهم المطر بسنن أخرى إلى مكانهم المحدد على وجه الأرض، وهو القائل سبحانه: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ (يس:82). والقائل سبحانه ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ (البقرة:186) سل أباك وأمك أو أحد أقربائك وسل شيوخك العارفين برحمة ربك سميع الدعاء، سلهم عن إجابته دعوة المضطرين، وإغاثة الملهوفين، سلهم كم أصيبت أراض بالجفاف، وانعدم المطر، فخرج المسلمون كما علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعون ربهم مستغيثين فيجيبهم وينشر رحمته عليهم.
كيف لا يستبشرونَ... وأرضُهم بعد سكونِها قد اهتزَّتْ، وأجواؤُهم بزخاتِ المطرِ قد ازدانتْ، مؤذنةً بمفاوزَ مخضَّرة، وأشجارٍ مُثمرة، ونباتٍ مُزهرة. إنها نِعَمٌ للبلادِ والعبادِ والشجرِ والدوابِ قد عمَّ خيرُها، ودنى نَفْعُها { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ}. هذا الغيث العميم آيةٌ من آياتِ الله على وحدانيتِه، وقدرتِه على تصريفِ الرياح مُبَشِّرات، حتى أضحى هذا التفردُ وتلك القدرةُ مستَقِرَّاً في الفطرِ {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}. هل من إلهٍ غيرُ اللهِ يُقلِّبُ السحابَ كيف يشاء؟ هل من إلهٍ غيرُ اللهِ يأمر المُزَنَ فتتراكَمُ وتتلبَّدُ، ثم تسوقُها الرياحُ إلى بلد محدَّد، فينزُلُ حينها الغيثُ بِقَدَرٍ مَقْسُومٍ، وأجلٍ معلومٍ، ذلك تقدير العزيز العليم. وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا. هذا الذي أنزلَ سيلاً في البلدْ *** فكيف لو صبَّ جبالاً من بَرَدْ أنزلَـه رفقـاً بنا مِـدراراً *** وبعضَـه سخَّـره أنهـاراً فالله وحده لا إله إلا الله سواه هو الذي الذي ينزل الماء، ويَقْسِمُ النَّعْماء، فيُمطر أرضاً، ويَمنعُ أُخرى، ربما أنزل غيثَه في القفارِ، وربما أودعَه في لُجَجِ البحار، {وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}.
وخرجوا لصلاة الاستسقاء فأنزل الله المطر سيولاً غزيرة فاتصل بي المحافظ قائلاً: "يا شيخ المطرُ زادَ علينا فماذا نفعل ؟" فقلت له أدعو الله أن اجعله حوالينا لا علينا. د- فاز الطيب أوردغان أحد قيادات حزب الرفاه الإسلامي في تركيا في أواسط التسعينيات برئاسة بلدية اسطنبول في تركيا فقدم خدمات هائلة للناس، وبقي عليه مشكلة الماء حيث كان نصيب الفرد من الماء مرة كل شهر، فقال: "لقد تعلمنا في معاهد الدعاة والأئمة أنه إذا اشتد الجفاف يخرج الناس لصلاة الاستسقاء". فدعا الناس إلى ذلك فاشتدت سخرية العلمانيين من دعوته واشتد حرج المؤمنين من تلك السخرية. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الشورى - الآية 28. وقال لي الشيخ أمين سراج إمام جامع الفاتح باسطنبول: "لقد خرجنا لصلاة الاستسقاء وهّمنا شماتة العلمانيين، فكنا نستغيث بالله ألا يفضحنا ونزلت الأمطار في اليوم الثاني لصلاة الاستسقاء، واستمر نزول المطر حتى امتلأت سدود اسطنبول واكتفى الناس. " هـ- وحدث في عام 1417هـ أن قمت بزيارة لمنطقة يهر بيافع من بلاد اليمن، وكانت المنطقة تعاني من الجفاف وشحة المياه، فقال الناس لي أثناء محاضرة لي كانت في الهواء الطلق: "انظر يا شيخ إلى الزرع كاد أن يذبل وإلى البُنّ كاد أن ييبس فاستسق الله لنا" فطلبت منهم أن يؤمنوا على دعائي وأن يُخلصوا الدعاء، فدعوا الله وحينها قال أحد الحاضرين: "إذا نزل المطر فسأصلي وأتوب من اليوم! "
المسألة الثالثة: احتج أهل التناسخ بهذه الآية ، وكذلك الذين يقولون إن الأطفال والبهائم لا تتألم ، فقالوا: دلت الآية على أن حصول المصائب لا يكون إلا لسابقة الجرم ، ثم إن أهل التناسخ قالوا: لكن هذه المصائب حاصلة للأطفال والبهائم ، فوجب أن يكون قد حصل لها ذنوب في الزمان السابق ، وأما القائلون بأن الأطفال والبهائم ليس لها ألم ، قالوا: قد ثبت أن هذه الأطفال والبهائم ما كانت موجودة في بدن آخر لفساد القول بالتناسخ فوجب القطع بأنها لا تتألم إذ الألم مصيبة. والجواب: أن قوله تعالى [ ص: 149]: ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) خطاب مع من يفهم ويعقل ، فلا يدخل فيه البهائم والأطفال ، ولم يقل تعالى: إن جميع ما يصيب الحيوان من المكاره فإنه بسبب ذنب سابق ، والله أعلم. المسألة الرابعة: قوله ( فبما كسبت أيديكم) يقتضي إضافة الكسب إلى اليد ، قال: والكسب لا يكون باليد ، بل بالقدرة القائمة باليد ، وإذا كان المراد من لفظ اليد ههنا القدرة ، وكان هذا المجاز مشهورا مستعملا كان لفظ اليد الوارد في حق الله تعالى يجب حمله على القدرة تنزيها لله تعالى عن الأعضاء والأجزاء ، والله أعلم.
وما هي إلا ساعة وثلث الساعة تقريباً حتى نزل المطر منهمراً على تلك المنطقة والوادي بعد أن كان الجو جافاً لا تلوح فيه قزعة سحابٍ فسبحان مجيب الدعاء.