الحمد لله. لا حرج في الدعاء بقول: " اللهم تقبل منا صالح الأعمال "، وليس فيه أي محذور شرعي ، بل منطوق هذا الدعاء ومفهومه صحيح مقبول ؛ لأن الله عز وجل يتقبل " صالح الأعمال "، ولا يتقبل سيء الأعمال. يقول الله عز وجل: ( لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ) ويقول سبحانه: ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا) قال العلامة السعدي رحمه الله: " المراد بـ ( أحسن ما عملوا): أعمالهم الحسنة الصالحة ؛ لأنها أحسن ما عملوا ، لأنهم يعملون المباحات وغيرها ، فالثواب لا يكون إلا على العمل الحسن ، كقوله تعالى: ( لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كَانُوا يَعْمَلُونَ). " تفسير السعدي " (ص/569) ثم إن الذي يسأل الله أن يتقبل منه " صالح الأعمال " ، لا يخطر في باله أنه يسأل الله أيضا أن لا يتقبل منه سيء الأعمال ، وإنما يأتي بكلمة " صالح " لبيان سبب القبول ، وهو صلاح العمل ، وهذا أسلوب صحيح في اللغة ، ويسميه علماء الدلالات اللغوية بالوصف الكاشف ، ويمثلون له بقول الله تعالى: ( وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) المؤمنون/117.
التجاوز إلى المحتوى اللهم تقبل منا هذا القربان شعار (اللهم تقبل منا هذا القربان)، شعار من نوع فريد، لا يصدر إلا عن إنسان فريد يحمل بين خافقيه سرا من أسرار النبوة، وسرا من عظمة الإنسان، الإنسان المملوء طهرا ونقاء. هذا الشعار الملحمي الخالد لا تقف عظمته عند حدود الإدراك الحسي، لأنه يتحدى جميع العواطف الإنسانية … لأنه يخالف كل نواميس الطبيعة البشرية المعروفة … لأنه شعار يتحدى منظومات السلوك والتصرف والفعل ورد الفعل وجميع النظريات الاجتماعية والتربوية والنفسية والأخلاقية. هذا الشعار، أطلق لأول مرة في كربلاء الإمام الحسين (عليه السلام)، ظهيرة الطف، فبعد أن قطعوا رأسه الشريف؛ الذي لثمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) مئات المرات، وحملوه ليقايضوه بثمن بخس دراهم معدودات، وبعد أن داست خيلهم الجسد المطهر، وبعد أن انجلت غبرة الحرب، تحمل معها حقد التاريخ لتعطر به قادم التاريخ المملوء زيفا، وقفت السيدة زينب على جسد أخيها الطاهر، لتشعل وسط هذه العتمة مصباح أمل، وتزرع في صحراء هذه الكراهية زهرة عقيدة؛ ورفعت يديها نحو السماء، وأطلقت أعظم صرخة في التاريخ تصدر من قلب مكلوم: "اللهم تقبل منا هذا القربان".
أستعيد هدوئي، وأعبر لأقرأ سطورا من كتاب "Ces gens qui nous empoisonnent la vie" للأمريكية Lillian Glass، لأستفيد قليلا، وأحارب جهلي، وأركن مجددا إلى صمتي. اللهم تقبل منا انك انت السميع العليم. في فرنسا يشتكون من قلة الاهتمام بكتاب السيناريو الذين تخصص لهم نسبة تتراوح بين ثلاثة وخمسة بالمائة من ميزانيات الأعمال التي تصور، مقابل أكثر من عشرة بالمائة في الولايات المتحدة. عندنا، الكل يقترف السيناريو، والكل يتكلف بالإخراج، والكل يمثل، والكل ينتقد. ثم ماذا بعد؟ أتوجه بعيني نحو السماء، وأقول بصوت خافت: اللهم تقبل صيامي، وردني إليك ردا جميلا، والسلام. #CBM
أنظر من حولي، وأتمعن جيدا في أحوالي وأحوال الآخرين، وأعثر على أسئلة كثيرة. أتوفر على اقتراحات أجوبة، لكني لا أتجرأ على الجهر بها تفاديا لنز الأعصاب في هذا الشهر الفضيل. أشاهد مباريات الكرة، وأشاهد وثائقيات كثيرة بجنسيات مختلفة، وأشاهد نفسي في المرآة عساني أفلت من حال الشرود الذهني، وأشاهد بعضا من أشياء تعرض في رمضان. حتى أكون صريحا، هناك أناس يحاولون تقديم أعمال فيها شيء من اجتهاد، وهؤلاء لا يستحقون منا إقحامهم في نفس الخانة التي يقطن فيها أولئك الذين ألفوا الاعتداء على العيون. اللهم تقبل منا صالح الاعمال. هل أنا مجبر على قصف أعمال محلية وعربية تعرض في شهر رمضان؟ بصدق لا تتوفر لي الرغبة للقيام بهذا الأمر، بل أبحث فقط عن طريقة لتحفيز بعض من مبدعينا على قلتهم للاجتهاد أكثر. أتكلم هنا عن فئة المبدعين، أما مرتزقة الفن لا أنتبه لهم حاليا. وأعثر على ممثلة تقول في موعد إعلامي كلاما لا تستوعبه، وتتحدث عن دور التلفزيون عندنا، دون أن تتذكر ولو للحظة بأن الشجاعة لا تكمن في قول كل شيء ولا شي، بل في التركيز على مجال اشتغالها ومحاولة إثبات ذاتها. فعلا نستحق ممثلات يفتحن ولو في النادر من مناسبات كتبا للتعلم قبل التكلم، عوض التهافت الذي لا يفيد، وإطلاق جمل تنتقص من ذكاء الخلق.
أربعة عشر قرنا، اختفى فيها هذا الشعار من الوجود، لأن هذه القرون خلت من زينب، إما لأن هناك من قالته ولم نسمعها وإما لأنه لم تولد فيها زينب حقيقية تتاجر مع الله تجارة لن تبور، وتقايض جسد حسينها بقبول الله، ثم في ثمانينات القرن الماضي، استشهد البطل المجاهد مصطفى شمران، وجاء زينبه.. زوجته، فوقفت على جثمانه، ورفعت أصبعيها نحو السماء، وقالت: "الله تقبل منا هذا القربان"، لتعلن أن ثورة زينب لا زالت مستمرة بالعطاء.! من يومها إلى يومنا الحاضر لم أرى زينب ترفع يدها نحو السماء وتردد الشعار الزينبي، وكنت أتمنى من كل قلبي أن أسمع زينب ثالثة تردده قبل أن أموت، لا حبا باستشهاد الأبطال، ولكن لكي أطمئن أن الخط الزينبي لا زال موجودا في قلوب نساء العقيدة، في قلوب الأمهات الطاهرات، فالأم مدرسة إذا صلحت، تنتصر العقيدة مهما اشتدت شراسة هجمات الأعداء. آللهٌم تَقبلَ منآ..... وها هي أم الشهيد اللبناني (علي) تقف على جثمان ولدها؛ الذي استشهد دفاعا عن زينب؛ لتشكره لأنه مات دفاعا عن أنموذجها الأسمى في الحياة. وهي لكي تعلن زينبيتها وانتمائها لهذا الخط العقدي الطاهر، لم تودعه كما تودع الأمهات الثكلى فلذات أكبادهن، وإنما وقفت بشموخ لتردد الشعار الزينبي: "الله تقبل منا هذا القربان".
#بيان ذلك: قال المرحوم جعفر النّقديّ في كتابه حياة زينب الكبرى الصّادر سنة: "1361هـ": «يكفي في علوّ مقام هذه الدّرة المكنونة والجوهرة المصونة في الصّبر وعظيم في التّسليم لأمر الله، والرّضا بقضائه، ما نقله في الطّراز المذهّب: أنّها سلام الله عليها وعلى جدّها وأبيها وأمّها وإخوانها لمّا وقفت على جسد أخيها الحسين "ع"، قالت: الّلهم تقبّل منّا هذا القليل من القربان، قال: فقاربت أمّها في الكرامات، والصّبر في النّائبات، بحيث خرقت العادات، ولحقت بالمعجزات». [ص73، ط النّجف]. #وقال المرحوم عبد الرزّاق المقرّم في كتابه مقتل الحسين "ع" وهو يشرح أحوال ما بعد مقتله "ع" ويتحدّث عن أخته زينب: «ثمّ بسطت يدها تحت بدنه المقدّس ورفعته نحو السّماء وقالت: "الهي تقبّل منّا هذا القربان"، وهذا الموقف يدلّ على تبوّئها عرش الجلالة، وقد أُخذ عليها العهد والميثاق بتلك النّهضة المقدّسة كأخيها الحسين "ع"، وإن كان التّفاوت محفوظاً، فلمّا خرج الحسين عن العهدة بإزهاق نفسه القدسيّة، نهضت العقيلة زينب بما وجب عليها، ومن تقديم الذّبيح إلى ساحة الجلال الرّبوي، والتّعريف به، ثمّ طفقت سلام الله عليها ببقيّة الشّؤون ولا استبعاد في ذلك بعد وحدة النّور وتفرّد العنصر».