القول في تأويل قوله تعالى: ( قال إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ( 78)) [ ص: 626] يقول تعالى ذكره: قال قارون لقومه الذين وعظوه: إنما أوتيت هذه الكنوز على فضل علم عندي ، علمه الله مني ، فرضي بذلك عني ، وفضلني بهذا المال عليكم ، لعلمه بفضلي عليكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم ، قال: ثنا الحسين ، قال: ثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة ( قال إنما أوتيته على علم عندي) قال: على خبر عندي. جريدة المغرب | وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة (1). قال: حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد في قوله: ( إنما أوتيته على علم عندي) قال: لولا رضا الله عني ومعرفته بفضلي ما أعطاني هذا ، وقرأ: ( أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا)... الآية. وقد قيل: إن معنى قوله: ( عندي) بمعنى: أرى ، كأنه قال: إنما أوتيته لفضل علمي ، فيما أرى. وقوله: ( أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا) يقول جل ثناؤه: أولم يعلم قارون حين زعم أنه أوتي الكنوز لفضل علم عنده علمته أنا منه ، فاستحق بذلك أن يؤتى ما أوتي من الكنوز ، أن الله قد أهلك من قبله من الأمم من هو أشد منه بطشا ، وأكثر جمعا للأموال; ولو كان الله يؤتي الأموال من يؤتيه لفضل فيه وخير عنده ، ولرضاه عنه ، لم يكن يهلك من أهلك من أرباب الأموال الذين كانوا أكثر منه مالا لأن من كان الله عنه راضيا ، فمحال أن يهلكه الله ، وهو عنه راض ، وإنما يهلك من كان عليه ساخطا.
تفسير سورة ( القصص) الآية (78) الجزء الأول.
وقوله: ( وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) قيل: إن معنى ذلك أنهم يدخلون النار بغير حساب. * ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا سفيان, عن عمر, عن قَتادة ( وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) قال: يُدْخلون النار بغير حساب. الشيخ محمد بن صالح العثيمين-تفسير القرآن الكريم-11b-5. وقيل: معنى ذلك: أن الملائكة لا تسأل عنهم, لأنهم يعرفونهم بسيماهم. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) كقوله: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ زرقا سود الوجوه, والملائكة لا تسأل عنهم قد عرفتهم. وقيل معنى ذلك: ولا يسأل عن ذنوب هؤلاء الذين أهلكهم الله من الأمم الماضية المجرمون فيم أهلكوا. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا موسى بن عبيدة, عن محمد بن كعب ( وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) قال: عن ذنوب الذين مضوا فيم أهلكوا؟ فالهاء والميم في قوله: ( عَنْ ذُنُوبِهِمُ) على هذا التأويل لمن الذي في قوله: ( أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً) وعلى التأويل الأول الذي قاله مجاهد وقَتادة للمجرمين, وهي بأن تكون من ذكر المجرمين أولى؛ لأن الله تعالى ذكره غير سائل عن ذنوب مذنب غير من أذنب, لا مؤمن ولا كافر.
14/04/2022 289 عدد المشاهدات اختلفت أنظار الباحثين، وتفاوتت اتجاهات المفكرين، وتباينت آراء الفلاسفة في الموقف من الدنيا، فبعضهم رأى في الحياة الدنيا أنها كل شيء، فهي البداية والنهاية، وهي المبتغى والمنتهى، فبالغ في تمجيدها والاحتفاء بها، وحرص على تحسينها وتزينيها. وبالمقابل فقد رأى بعضهم فيها شراً مخيفاً، وخطراً مستطيراً، لا بد من قهره والتغلب عليه، والحذر منه. وقد كان موقف القرآن الكريم من الحياة الدنيا -على عادته- موقفاً وسطاً، فلم يجعلها كل شيء، وأيضاً لم يلقها وراءه ظهرياً، وقد عبرت عن هذا الموقف الآية الكريمة أصدق تعبير، وذلك قوله تعالى: "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا"القصص:77. جاءت هذه الآية الكريمة بعد حديث القرآن عن قارون الذي آتاه الله "من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة" القصص:76 ، فطغى وتجبر، وفرح بما آتاه الله من المال فرحاً جماً، ووصل به الأمر إلى أن "قال إنما أوتيته على علم عندي" القصص:78. فجاءت هذه الآية الكريمة لتبين الموقف الحق من الدنيا، وأنها ليست هي الأساس الذي يقوم عليه كل شيء، بل هي في حقيقة أمرها وسيلة وممر لحياة أخرى أجل، وأعظم، وأدوم، وأبقى.