السؤال نص السؤال فضيلة الشيخ وفقكم الله ، في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: « يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار » ، السؤال هل يقال: إن الدهر من أسماء الله أم أنه صفة خبرية ؟ وما المقصود بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الله: « أقلب الليل والنهار » ؟ ©20207 جميع الحقوق محفوظة مؤسسة الدعوة الخيرية تطوير وتنفيذ شركة عطاء
ثم إن في النهي عن سب الدهر دعوة إلى اشتغال الإنسان بما يفيد ويجدي والاهتمام بالأمور العملية ، فما الذي سيستفيده الإنسان ويجنيه إذا ظل يلعن الدهر ويسبه صباح مساء هل سيغير ذلك من حاله ؟ هل سيرفع الألم والمعاناة التي يجدها ؟ هل سيحصل ما كان يطمح إليه ؟ إن ذلك لن يغير من الواقع شيئاً ، ولا بد أن يبدأ التغيير من النفس وأن نشتغل بالعمل المثمر بدل أن نلقي التبعة واللوم على الدهر والزمان الذي لا يملك من أمره شيئاً. نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا وقد نهجوا الزمان بغير جرم ولو نطق الزمان بنا هجانا هل الدهر من أسماء الله ؟ والدَّهر ليس من أسماء الله وذلك لأن أسماءه سبحانه كلها حسنى أي بالغة في الحسن أكمله ، فلابد أن تشتمل على وصف ومعنى هو أحسن ما يكون من الأوصاف والمعاني في دلالة هذه الكلمة ، ولهذا لا يوجد في أسماء الله تعالى اسمٌ جامدٌ لا يدل على معنى ، والدَّهرُ اسم جامد لا يحمل معنى سوى أنه اسم للوقت والزمن. ثم إن سياق الحديث أيضاً يأبى أن يكون الدَّهر من أسماء الله لأنه قال: ( وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار) والليل والنهار هما الدهر فكيف يمكن أن يكون المقلَّب بفتح اللام هو المقلِّب بكسر اللام ؟!
فبين أن الخلق لا يضرونه سبحانه بكفرهم، لكن يؤذونه تبارك وتعالى إذا سبوا مقلب الأمور، وجعلوا له سبحانه ولدا أو شريكا، أو آذوا رسله وعباده المؤمنين " انتهى من "الصارم المسلول" (2 / 118 – 119). قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: " لا يلزم من الأذية الضرر؛ فالإنسان يتأذى بسماع القبيح أو مشاهدته، ولكنه لا يتضرر بذلك، ويتأذى بالرائحة الكريهة كالبصل والثوم ولا يتضرر بذلك، ولهذا أثبت الله الأذية في القرآن، قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا). وفي الحديث القدسي: ( يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ) ونفى عن نفسه أن يضره شيء، قال تعالى: ( إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا)، وفي الحديث القدسي:( يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي) " انتهى من"القول المفيد" (2 / 241). يؤذيني ابن آدم يسب الدهر. وقال الشيخ عبد الله بن عقيل، رحمه الله: " وأما الجمع بين الحديثين، فليس بينهما تناقض، ولا اختلاف بحمد اللَّه؛ لأن الأذى أخف من الضرر، ولا تلازم بينهما. وقد ورد إثبات الأذى في القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ... فاللَّه سبحانه وتعالى يتأذى مما ذُكر في الحديث، وإن كان لا يمكن أن يلحقه ضرر من عباده، كما قال تعالى: وَلَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللَّهَ شَيْئًا الآية، وقال تعالى: وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا الآية.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته: «ومن يعصهما -أي: اللَّه تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم - فإنه لا يَضُرُّ إلا نفسَه، ولا يَضُرُّ اللَّهَ شيئا" انتهى، من "فتاوى ابن عقيل" (2/273). والله أعلم.
كما قال الله سبحانه وتعالى واصفا أهل الكفر والردة: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ محمد/28. ومع أنهم أسخطوا الله تعالى بكفرهم وسوء أعمالهم، إلا أنهم لن يضروه، حيث قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ محمد/32. الوجه الثاني: أن (الأذى): إنما هو فيما خف أمره، ولم يبلغ أن يكون ضررا بمن لحقه. قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم يسبّ الدّهر - وأنا الدّهر أقلّب الليل والنهار". قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: " ومما ينبغي أن يتفطن له أن لفظ الأذى في اللغة هو لما خف أمره، وضعف أثره من الشر والمكروه، ذكره الخطابي وغيره، وهو كما قال، واستقراء موارده يدل على ذلك، مثل قوله تعالى: ( لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى).