ولكي يتعلم الحكمة من أفواه الحكماء عليه أن يجالسهم ويتبع آثارهم، ويتفقد أحوالهم مع الله ومع الناس, ويصغى إلى أقوالهم، وينتبه إلى ما يصدر عنهم من إشارات تقوم مقام العبارات، فالعلماء والحكماء يحيون القلوب بالعلم والحكمة كما يحيي الله الأرض بالمطر. تَحْيَا بهم كل أرضٍ ينزلون بها كأنهم في بقاع الأرض أمطار ويستفاد من هذا الحديث فوق ما ذكرناه أن العلم أبواب مقفلة مفاتيحها الأسئلة، لهذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه عن كل ما غمض عليهم فهمه، في أدب جم وأسلوب كريم، فيجيبهم عن كل ما سألوا بحب وكرامة، ولا يعيب على أحد سأله عن شيء، كما يفعل بعض علمائنا اليوم، بل كان يجعل من السؤال التافه منطلقاً إلى باب مهم من أبواب العلم. ويستفاد أيضاً من هذا الحديث أن يكون المسئول حكيماً في فهمه للسؤال وفي الإجابة عنه، فلا يكون جوابه بعيداً عن المطلوب في السؤال، ولا يكون قاصراً مخلاً لا يكتفي السائل به، ولا طويلاً مملاً ينفر منه، ويتحرى المسئول حاجة السائل إلى السؤال فلا يمهله ولا يتبرم منه، ويتعرف على حاله – في الثقافة والفهم – فيخاطبه على قدر عقله ووعيه، فهذه هي البلاغة في سموها وعراقتها، فهي كما يقول أهلها: مراعاة المتكلم بكلامه مقتضى حال المخاطب، والله ولي التوفيق.
وإذا أردنا أن تتحقق الاستقامة في البدن فلا بد من استقامة القلب أولا ، لأن القلب هو ملك الأعضاء ، فمتى استقام القلب على معاني الخوف من الله ، ومحبته وتعظيمه ، استقامت الجوارح على طاعة الله ، ثم يليه في الأهمية: استقامة اللسان ، لأنه الناطق بما في القلب والمعبّر عنه ، نسأل الله أن يهدينا إلى صراطه المستقيم ، صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا.