رغم ما يكتنف الإنسان من فضول أحيانا، إلا أنه في الحقيقة دائماً ما يخشى الأمور المجهولة. هذا الخوف والحذر ينطبقان تقريبا على كل ما يطرأ في حياة الإنسان من مستجدات جديدة تستُحدث دون مثال سابق. وهذا ما نسميه البقاء في منطقة الأمان أو صندوق الأمان، بحيث يخصص كل فرد منطقة يشعر بها في الأمان بداخله ولا يحب أن يخرج منها، ومثال على ذلك شخص ما يحب أن يجلس على كرسي معين في البيت أو زاوية محددة ويقرأ جريدة أو مجلة معينة أو طريق معين للذهاب للعمل أو حتى أي قناعة معينة راسخة في ذهنهم وغيرها من الأمثلة. الإنسان عدوّ ما يجهل | مصطفى الضبع | مجلة الجديد. ومن هذا المنطلق فإن الكثيرين ممن لا يرغبون في الخروج من صندوق الأمان الخاص بهم لا يجددون نشاطهم ولا يستزيدون من المعرفة لأنهم يعتبرونها خروج من المنطقة الآمنة. ولا يرغبون بمعرفة أشياء جديدة. بل والأدهى من ذلك أنهم يقومون بمعاداة ومحاربة وتجريح أي شخص يحاول الدخول إلى منطقة الأمان الخاصة بهم أو يحاول إخراجهم منها ولو كان لمصلحتهم. ومثال على ذلك عندما نقول لذلك الشخص بأن هناك منتج جديد أو خدمة جديدة في الأسواق تفيده، فإن يرفضها بشدة لسببين هما في الغالب من أهم أسباب الرفض، الأول منطقة الأمان الخاصة به والتي يحاول أن يحميها ويتمسك بها بشدة، والسبب الثاني والذي ينتج عن السبب الأول هو أنه يرغب في أن تكون تلك المعلومة هو من يقولها.
هو أحد الأسباب لكنه ليس السبب الوحيد. ساعطيك مثالا، في الغالب الأعم أرفض دعوات الحضور للملتقيات والمنتديات والمقابلات الشخصية على سكايب او الهانغ آوت لكن السبب ليس هو الجهل او الخوف من المجهول بل لان لا اشعر اني على ما يرام مع هذه الامور. حتى لو ذهبت لمدينة ما اعرفها لكن توجد هناك منطقة لا اعرفها ودعيت اليها بشكل غير الزامي ولا انا مضطر لاذهب اليها سيكون الامر حسب المزاج وليس سبب الرفض هو الخوف من المجهول او الجهل بها وبطبيعتها. اعتقد والله اعلم ان الناس لديها حس فطري بأن توقع الامور السيئة ان تحدث اكثر من توقع الامور الحسنة وتحدث وهذا مجرب من الناس حتى انهم قاموا بصياغة قوانين مورفي التي هي شكل حديث للتطير! الفضول البشري يتمثل عادة في الامور المعرفية بمعنى أن نعرض وهو غريزة ركبت في الإنسان لجعله يتعلم المزيد، اما (التوجس والحذر) فهو غريزة ركبت في الجسد البشري وليس روح الإنسان وهدفها هو -الحفاظ على الكيان الجسمي للإنسان كي لا يخرج من الحياة قبل أوانه المحدد لان لديه وظيفة هي خلافة الله في الأرض -. لهذا قال المفسرون في هذه النقطة في قوله تعالى "إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط " وجوابا على السؤال المنطقي: كيف يحدث لنبيّ مكرم وصف بأنه خليفة معلق القلب دوما وابدا بالله تعالى أن يفزع ويهتز بدنه من أغيار ( اي غير الله) والأنبياء كما هو معروف لا يخافون الا الله ظاهرا وباطناً.
على كُلٍّ نختمُ بضرورة تكثيف مصادر الوعي لجميع المجالات كل حسب اختصاصه كما يجب أن نفرد مساحة كبيرة لطلبة المدارس يتعلمون فيها قوانين مجالات الحياة لتخرج لنا أجيال تقدّر التعاملات وتفهم الحقوق وتمارس الواجبات وفي ذلك فليتفكر أولو البصائر والألباب. *