قوله تعالى: يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار وقال الله تعالى: بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى وقال تعالى: أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل [ ص: 228] وقال الله تعالى عن مؤمن آل فرعون إنه قال لقومه: يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار والمتاع: هو ما يتمتع به صاحبه برهه ثم ينقطع ويفنى. فما عيبت الدنيا بأبلغ من ذكر فنائها وتقلب أحوالها، وهو أدل دليل على انقضائها وزوالها، فتتبدل صحتها بالسقم، ووجودها بالعدم، وشبيبتها بالهرم، ونعيمها بالبؤس، وحياتها بالموت، فتفارق الأجسام النفوس، وعمارتها بالخراب، واجتماعها بفرقة الأحباب، وكل ما فوق التراب تراب.
يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الأخرة هي دار القرار - YouTube
قوله تعالى: { ياقوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع} أي يتمتع بها قليلا ثم تنقطع وتزول. { وإن الآخرة هي دار القرار} أي الاستقرار والخلود. ومراده بالدار الآخرة الجنة والنار لأنهما لا يفنيان. بين ذلك بقوله: { من عمل سيئة} يعني الشرك { فلا يجزى إلا مثلها} وهو العذاب. يا قوم انما هذه الحياه الدنيا متاع. { ومن عمل صالحا} قال ابن عباس: يعني لا إله إلا الله. { وهو مؤمن} مصدق بقلبه لله وللأنبياء. { فأولئك يدخلون الجنة} بضم الياء على ما لم يسم فاعله. وهي قراءة ابن كثير وابن محيصن وأبي عمرو ويعقوب وأبي بكر عن عاصم؛ يدل عليه { يرزقون فيها بغير حساب} الباقون { يدخلون} بفتح الياء. قوله تعالى: { وياقوم ما لي أدعوكم إلى النجاة} أي إلى طريق الإيمان الموصل إلى الجنان { وتدعونني إلى النار} بين أن ما قال فرعون من قوله: { وما أهديكم إلا سبيل الرشاد} [غافر: 29] سبيل الغي عاقبته النار وكانوا دعوه إلى اتباعه؛ ولهذا قال: { تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم} وهو فرعون { وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار}. { لا جرم} تقدم الكلام فيه، ومعناه حقا. { أنما تدعونني إليه} { ما} بمعنى الذي { ليس له دعوة} قال الزجاج: ليس له استجابة دعوة تنفع؛ وقال غيره: ليس له دعوة توجب له الألوهية { في الدنيا ولا في الآخرة} وقال الكلبي: ليس له شفاعة في الدنيا ولا في الآخرة.
اهـ.
قال تعالى: { وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40)} [غافر] قال السعدي في تفسيره: { { وَقَالَ الَّذِي آمَنَ}} معيدًا نصيحته لقومه: { { يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ}} لا كما يقول لكم فرعون، فإنه لا يهديكم إلا طريق الغي والفساد. { { يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ}} يتمتع بها ويتنعم قليلاً، ثم تنقطع وتضمحل، فلا تغرنكم وتخدعنكم عما خلقتم له { { وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ}} التي هي محل الإقامة، ومنزل السكون والاستقرار، فينبغي لكم أن تؤثروها، وتعملوا لها عملا يسعدكم فيها. { { مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً}} من شرك أو فسوق أو عصيان { { فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا}} أي: لا يجازى إلا بما يسوؤه ويحزنه لأن جزاء السيئة السوء.
يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ الشيخ محمد صديق المنشاوي سورة غافر - YouTube
الشيخ الشعراوي - فيديو سورة غافر الايات 35 - 50 تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي هذا قوْل الرجل المؤمن من آل فرعون يعظ قومه وكأنه نبيّ، فإنْ قُلْتَ: وماذا أسكته عن فرعون حتى وصل بضلاله إلى أنْ يدَّعي الألوهية؟ قالوا: هذه من ضمن قولنا إن للحق صَوْلة لكن لها وقتها المناسب، وساعةَ ينطق الحق على لسان هذا المؤمن فكأن الحق سبحانه هو الذي يتكلم، لذلك لم يعارضه أحدٌ لأن وارد الرحمن لا يُعارَض إنما يُعارض وارد البشر. لذلك لما قال الحق سبحانه: { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي ٱليَمِّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ} [القصص: 7] لم تعارض هذا الرأي، ومَنْ يقول للمرأة: إنْ خافت على وليدها ألقيه في اليم؟ والله لو قالها أحدٌ غير الحق سبحانه لَعُورضت لكن قبلتها أم موسى ولن تعترض، لأن وارد الرحمن لا يُعارض ولا يُناقَش، وإلا لَكانَ لها أنْ تقول: أأنجيه من موت مظنون إلى موت مُحقَّق؟ إذن: لا عجبَ أنْ يقول الرجل المؤمن هذا الكلام على مَرْأىً ومَسْمع من فرعون، ومع ذلك لم يعارضه. { يٰقَوْمِ إِنَّمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ ٱلآخِرَةَ هِيَ دَارُ ٱلْقَـرَارِ} [غافر: 39] هذه تلفتنا إلى أن الإنسان في أحداث الحياة معه لا بُدَّ له أن يخدم غاية، ويُشترط في الغاية التي تخدم ألاَّ يكون بعدها غاية أخرى، فإنْ كان بعدها غايةٌ أخرى فليستْ بغاية، بل هي مرحلة مُوصَّلة للغاية، مثل الولد تعلمه ليأخذ الإعدادية مثلاً، فهل الإعدادية غاية؟ لا إنما هي مرحلة مُوصًّلة إلى مرحلة أخرى هي الثانوية، كذلك الثانوية مرحلة مُوصِّلة ما بعدها.