أما أكل الضبع فحلال؛ لما روى الإمام أحمد وأصحاب السنن عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار قال: قلت لجابر: الضبع أصيد هي؟ قال: نعم، قلت: آكلها؟ قال: نعم، قلت: أقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم (*) وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الرئيس: عبد العزيز بن عبد الله بن باز نائب الرئيس: عبد الرزاق عفيفي عضو: عبد الله بن غديان عضو: عبد الله بن قعود. إحضار الدخان للوالد: الفتوى رقم (1914) س: ليس لوالدي غيري، ويطلب مني إحضار الدخان له، وإن لم أطعه يغضب ويضيق صدره علي، وأنا أكره إحضار الدخان لعلمي بتحريمه. أفتوني مأجورين. ج: الدخان من الخبائث، وهي محرمة، فيكون محرما وشربه معصية لله، وإحضاره لمن يشربه وسيلة لشربه، والوسائل لها حكم الغايات، فإذا كانت الغاية محرمة فكذلك الوسيلة الموصلة إليها وطاعة الوالدين مشروعة فيما هو طاعة لله وما هو مباح، أما طاعتهما في معصية الله فغير جائزة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا طاعة لأحد في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف» (*) رواه النسائي وابن ماجه عن علي رضي الله عنه. حكم اكل الضبع ولماذا. وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (*) رواه الإمام أحمد في (المسند) والحاكم في (المستدرك) عن عمران، وعن الحكم بن عمرو الغفاري.
وقد روى أحمد في "مسنده" (21327) بسنده عن عبد الله بن يزيد قال: سألت سعيد بن المسيب عن الضبع فكرهها. فقلت له: إن قومك يأكلونه. قال: لا يعلمون. وفيه (27101) عن سعيد قوله: إن أكلها لا يحل. وقال ابن العربي المالكي كما في "فيض القدير" (4/258): (.. وعجباً لمن يحرم الثعلب وهي تفترس الدجاج ، ويبيح الضبع وهو يفترس الآدمي ، ويأكله) أهـ. فالأظهر مما ذُكر أن الضبع محرم الأكل. والله أعلم.
[٣] وقال النووي: "أجمع المسلمون على أن أكل الضب حلال ليس بمكروه ، إلا ما حكي عن أصحاب أبي حنيفة من كراهته ، وإلا ما حكاه القاضي عياض عن قوم أنهم قالوا هو حرام ، وما أظنه يصح عن أحد، وإن صح عن أحد فمحجوج بالنصوص وإجماع من قبله"، [١] ويفيد الحديث السابق أن كُره الشيئ وعدم إقبال رسول الله عليه لا يقتضي تحريمه، كما أن رسول الله لم يكن يأكل من شيئ، حتى يعلم ما هو، وسبب ترك رسول لأكل الضب لأنه كان يحبُ أن يشتم الرائحة الطيبة من الطعام، ولحم الضب كريه الرائحة، ولأنه لم يكن من الطعام الذي يأكله قومه.
وأما حديث جابر فلا يصح الاستدلال به لتخصيص الضبع من عموم النهي ؛ لما أورد عليه من الاحتمالات القوية في رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، والاحتمال إذا ورد بطل به الاستدلال ؛ كما تقرر ذلك في الأصول. وتأيد هذا أنه جاء الحديث من وجوه أخرى بكونه صيداً عن جابر نفسه ، وكذلك عن ابن عباس وأبي هريرة ، ولم يذكر فيها حل أكله ، وذكْرُ حل الأكل أولى بالتنويه من ذكر كونه صيداً ؛ مما يؤكد أن الذي رواه جابر هو كونه صيداً يُفدى ؛ لا أنه حلال يؤكل. فصل: حكم شرب الدخان وأكل الضبع:|نداء الإيمان. وروى أحمد في "مسنده" (14137) بسنده عن عبد الرحمن بن أبي عمارٍ أنه قال: قلتُ لجابرِ بنِ عبدِ الله رضي الله عنه: آكُلُ الضَّبُعَ ؟ قال: نعم ، قلت: أصيدٌ هِي ؟ قال: نعم ، قلت: أسمعت ذلكَ من رسولِ الله ، قالَ: نَعَمْ. ففي هذه الرواية ما يختلف عن الرواية المذكورة في أدلة المبيحين ، وذلك في في ترتيب ذكر مسألتي الصيد والأكل ؛ فجابرٌ رضي الله عنه في هذه الرواية أبدى رأيه أولاً في حل لحمه ، ثم قال له السائل: أصيد هي ؟ فقال: نعم ، وذكر أنه سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا موافق للروايات التي روى فيها جابر كونها صيداً ، ولم يرو حل أكلها. وغاية ما دل عليه حديث جابر ما فيه أنها صيد يفدي في الإحرام ، ولا دلالة فيه على حل أكلها لهذا المعنى ، ففي مذهبي الحنفية والحنابلة أن كون الشيء صيداً يفدى ليس من شرطه حل أكله ؛ حيث يُقصد الضبع والثعلب وغيرهما بالصيد للانتفاع بجلودها.