ولو سار النبي في نظم الشعر لخرج بذلك إلى الاتساع في القول لتحقق الفصاحة والبيان في كلامه، ولله حكمة عظيمة في ذلك، فإن الشاعر تغلب عليه سجية المنافسة والمغالبة والحمية وهذه الأشياء تصرف صاحبها عن دعوة ملؤها التسامح والإخلاص والحمية لدين الله لا شيء آخر ولذلك قال تعالى: (وما علمناه الشعر ما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين) لا شك أن ذلك تأديب من الله أراد به تحويل اهتمام النبي عن الشعر وقوله مع أن الشعر كان سجية في بني عبد المطلب رجالاً ونساءً.
د. عثمان قدري مكانسي [email protected] لم يكن القرآن الكريم شعراً ، والشعراء يعرفون ذلك ، ولم يكن نثراً بالمعنى الذي يفهمه الأدباء الناثرون. وقد حكم بهذا الأعداءُ قبل الأصدقاء ، والمشركون قبل المؤمنين. فهذا النضر بن الحارث يصف الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: يا معشر قريش ، إنه والله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعدُ ، قد كان فيكم محمد غلاماً حَدَثاً ، أرضاكم فيكم ، وأصدقكم حديثاً ، وأعظمكم أمانة... إلى أن يقول.. تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٧ - الصفحة ١١٧. وقلتم: شاعر ، لا والله ما هو بشاعر ، قد رأينا الشعر ، وسمعنا أصنافه كلها هَزَجَه ، ورَجَزَه (1)... وهذا الوليد بن المغيرة حين سمع القرآن من الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ يداول الأمر مع المشركين فيقولون.... نقول: شاعر. فيردّ عليهم الوليد: ما هو بشاعر ، لقد عرفنا الشعر كلّه رجزَه ، وهزَجه ، وقريضه ، ومقبوضه ، ومبسوطه ، فما هو بالشعر ، ثم يقول قولته المشهورة: والله إن لقوله لحلاوة ، وإن أصله لعَذقُ (2) وإن فرعه لجَناةٌ (3) وما أنتم بقائلين من هذا شيئاً إلا عُرف أنه باطل. أما عتبة بن ربيعة فقد أرسله وجهاء قريش ليفاوض الرسول صلى الله عليه وسلم في أمر دينه ، فجاءه ، وعرض عليه السيادة والمال الوفير ، والنساء الجميلات ، والملك العريض ، والطبَّ يداوونه زعماً منهم أن رِئِيّاً من الجنَّ يأتيه ، والرسول صلى الله عليه وسلم يستمع حتى إذا انتهى قال: (( أفَرَغتَ يا أبا الوليد ؟)) قال: نعم.
لكن النقد هو ما قدمه ابن طباطبا العلوي وحازم القرطاجني وعبد القاهر الجرجاني والخطيب القزويني ومحمد بن سلام الجمحي وابن قتيبة والجاحظ فما قدمه الزوزني في شرح المعلقات لا يمكن اعتباره نقدا مثل نقد العميد طه حسين لهذه المعلقات ، وتلاه العبقري محمود ذهني وكذا محمد زغلول سلام ومصطفى هدارة وغيرهم من علامات النقد العربي المبهر.