يمشي الفقير وكل شيء ضده - بصوت محمد ماهر - YouTube
مكاتب السمسرة بسبب صعوبة الحصول على كمليك (هوية حماية مؤقتة تركية) إلا بعد عشرة أشهر على الأقل في إسطنبول، برزت مكاتب السمسرة لتؤمن للناس مواعيد مستعجلة بالتنسيق مع موظفين أتراك، وبمقابل مالي يصل أحيانًا إلى 100 دولار أو أكثر، وهو ما يقابل ثلث راتب العامل السوري في تركيا، وأيضًا هذه المكاتب كانت تتعمّد تسجيل أي شخص في بيانات الكمليك أنه أمّي وليس متعلمًا، الأمر الذي اضطر الكثير إلى طلب تعديل البيانات لدى إدارة شعبة الأجانب وهذه وحدها معضلة. يمشي الفقير وكل شيئ ضده .... والناس تغلق دونه أبوابها. إدارة شعبة الأجانب في إسطنبول وما أدراك ما شعبة الأجانب؟! يجب أن تتواجد قبل صلاة الفجر أمام الشعبة لتستطيع أن تحصل على دور ربما في الساعة الرابعة عصرًا أو لن تحصل على شيء، وإن دخلت وطلبت استخراج الكمليك الذي يبدأ بالرقم 99 فإنه وباحتمال 99% لن تستخرجه من أول مرة ويجب أن تحاول وتحاول وتحاول حتى تحفظ عدد بلاطات أرضية الشعبة. هذا الرقم المشؤوم 99 بسبب عدم حصولنا عليه مبكرًا كان السبب في فصل العشرات من المدرسين وحرمانهم من مهنة التدريس، وإحالتهم إلى المعامل والمشاغل أو إلى المنازل. وأما إن أردت تعديل بياناتك فإنه يطلب منك شروط تعجيزية منها شهادة الكرتون وكأننا لم نخرج من بلد حرب، ويطلب أيضًا تصديق الشهادة من القنصلية، أكبر بؤر التشبيح والارتزاق لبشار الأسد ونظامه من داخل تركيا.
وفي ذلك يقول الجاحظ: «لولا أن العباس بن الأحنف أحذق الناس وأشعرهم وأوسعهم كلاما وخاطرا، ما قدر أن يكثر شعره في مذهب واحد لا يجاوزه، لأنه لا يهجو ولا يمدح لا يتكسب ولا يتصرف، وما نعلم شاعرا لزم فنا واحدا فأحسن فيه وأكثر»... أخبر محمد بن يحيى عن ابن ذكوان، أنه قال:" سمعت إبراهيم بن العباس يصف -ابن الأحنف- فيقول: كان والله ممن إذا تكلم لم يحب سامعه أن يسكت، وكان فصيحا جميلا ظريف اللسان، لو شئت أن تقول كلامه كله شعر لقلت".
هل من العدل أنه إذا كان هناك عامل لئيم لا يشكر على إكرامية زهيدة، أن نأمر الناس بعدم مساعدة هذه الفئة الفقيرة كلها ونحرض الناس على قبض اليد عن إنسان أشفق عليه؟ إن المسألة ليست مسألة مثوبة وأجر أو أن ننتظر عائداً دنيوياً أو أخروياً، اخرج من حظوظ نفسك لأن المسألة هي مسألة إحساس بالآخر والشعور به، وإذا ما فقد الإنسان الشعور لن تقوده الإغراءات والمخاوف إلى السلوك الحسن. ماذا يبقى من الإنسان حين لا يكون قادرا على التعاطف وتقمص حالة الآخر والإحساس به؟!.. لا شيء أبداً. فقبل أن ننطق بأي كلمة علينا أن نضع أنفسنا أمام الحالة الإنسانية ونعيشها فربما في قادم الأيام نكون نحن أو أبناءنا مكان هؤلاء وسيتمنون أن تكون هناك الكثير من النفوس الرحيمة التي ترحمهم وتساعدهم بمبلغ وجبة يوم واحد في غربتهم وفقرهم. فمن يعطي إنما يعطي لسماحة نفسه وكرمه ورحمته وقدرته على العطف بالآخرين وهذه من أكبر النعم على الإنسان، لكن من يأمر الناس بقبض اليد عن إنسان محتاج لموقف بدر من أحد المحتاجين فإنما يأمره بذلك لضيق نفسه وانقباضها عن الخلق. لا يقتصر الأمر على العمالة الأجنبية بل عموم الفقراء، فآلية الحكم العام انطلاقا من موقف خاص هي آلية منطقية تستخدم كثيرا للإقناع، لكنها آلية خاطئة وخطيرة، فحين تحاول مساعدة فقير في الشارع ستجد من يقول لك، هؤلاء ليسوا محتاجين وهم أغنى مني ومنك، بل لا يوجد فقير في دولنا وإن الشحاذة مهنة اعتادها بعض الناس.
سأل القاضي عبد الله الثالث: وكيف عرفت أنني ابن حرام ؟؟ فقال الثالث: لو كنت ابن حلال ما أرسلت لنا عيناً تُرَاقبنا ولا لحم كلب نأكله ولا خبزاً غير ناضج فصرخ القاضي: أنت لاترث شيئاً قال الثالث: ولماذا ؟ قال القاضي: لأنه لايعرف ابن الحرام إلا ابن الحرام مثله! وفعلا ذهب الأول والثاني إلى أمهما وأقرت بأن الثالث أتى به والده من أمام باب المسجد ورباه وأسماه عبد الله. هكذا كان عصر الأجداد، عصر الأنوار، ثقافة و حكمة وذكاء و دهاء وفراسة. و ليس كاليوم ، سرعة و تَسَرُّعٌ و انفعالٌ بِلا طائل و كلام فارغ. قناتي على اليوتوب شَـاركِ الْمَوْضُوع: إذا أعجبك هذا المحتوى، فلا تَقْرَأْ وتَرْحَل … تَـعْلِيقَـاتُكَ تَـشْجِيعٌ لَـنَـا لِنَسْتَمِرَّ فِــي الْبَحْثِ وَالْعَطَـاء. وإِذَا كنت تعتقد أنه قد يكون مفيداً لأشخاص آخرين، فشَارِكْهَ على الشبكات الاجتماعية.
إذاً.. ما هو أسوأ من الفقر؛ هو الفساد المجتمعي والسياسي والتعليمي والصحي والأخلاقي والنفسي الناتج عن تكدس المال والثراء في فئات معينة، وبقاء المال دُولةً بين الأغنياء منهم. لذلك، لا نستغرب المقولة المنسوبة للإمام علي -كرم الله وجهه-: "لو كان الفقر رجلاً.. لقتلتُه. " ولكن هل هذه دعوة إلى كراهية الأغنياء؟ أو المساواة المطلقة بين الناس؟ أو حقداً طبقيا؟ أو اعتراضاً على قضاء الله وقدره؟ سنرى. *ملحوظة: الحديث هنا عن الفقر كمشكلة اجتماعية ينبغي علاجها، لا يعني أن هناك مِن الفقراء من هو أسعد وأجمل وأفضل من كثير من الأغنياء.