وفيه: بيانُ كونِ تَغييرِ المُنكَرِ منَ الإيمانِ. وفيه: بيانُ أنَّ الإيمانَ يَزيدُ ويَنقُصُ. وفيه: أنَّ سُنَنَ الإسلامِ والعِباداتِ لا يَجوزُ تَغييرُ شيءٍ منها ولا من تَرتيبِها، وأنَّ ذلك مُنكَرٌ يَجِبُ تَغييرُه بإنكارِه ولو على المُلوكِ إذا قُدِرَ عليه ولم يَدعُ إلى مُنكَرٍ أكثَرَ منه.
فإذا عجز عن التغيير باليد ، فإنه ينتقل إلى الإنكار باللسان ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( فإن لم يستطع فبلسانه) ، فيذكّر العاصي بالله ، ويخوّفه من عقابه ، على الوجه الذي يراه مناسبا لطبيعة هذه المعصية وطبيعة صاحبها. فقد يكون التلميح كافيا - أحيانا - في هذا الباب ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ؟) ، وقد يقتضي المقام التصريح والتعنيف ، ولهذا جاءت في السنة أحداث ومواقف كان الإنكار فيها علناً ، كإنكار النبي صلى الله عليه وسلم على أسامة بن زيد - رضي الله عنه - شفاعته في حد من حدود الله ، وإنكاره على من لبس خاتم الذهب من الرجال ، وغير ذلك مما تقتضي المصلحة إظهاره أمام الملأ. وإن عجز القائم بالإنكار عن إبداء نكيره فعلا وقولا ، فلا أقل من إنكار المنكر بالقلب ، وهذه هي المرتبة الثالثة ، وهي واجبة على كل أحد ، ولا يُعذر شخص بتركها ؛ لأنها مسألة قلبيّة لا يُتصوّر الإكراه على تركها ، أو العجز عن فعلها ، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: " إن أول ما تغلبون عليه من الجهاد: جهادٌ بأيديكم ، ثم الجهاد بألسنتكم ، ثم الجهاد بقلوبكم ، فمتى لم يعرف قلبه المعروف وينكر قلبه المنكر انتكس ".
فالمقصود أن الإنكار بالقلب أضعف الإيمان باعتبار هذه المراتب، لأن الإيمان قول وعمل، فأعلى شيء فيما يتعلق بالمنكر التغيير باليد، فإن لم يستطع فباللسان، فإن لم يستطع فبالقلب، وهذا أضعف عمل يدخل في مسمى الإيمان تجاه المنكر، والتغيير باليد إيمان، والتغيير باللسان إيمان، والتغيير بالقلب إيمان، ومعنى ذلك أنه لم يبق عمل من الإيمان بعد ذلك، وليس المعنى أن الذي لا ينكر بقلبه يكون كافراً، ليس هذا المراد، وكثير من المسلمين قد يترك هذا الأمر لغلبة الشهوة عليه، فلا يتحرك قلبه تجاه المنكر، وقد يكون بسبب كثرة رؤيته للمنكر تبلد إحساسه. أسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين. أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان، (1/ 69)، رقم: (49). شرح حديث " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه. أخرجه النسائي في الكبرى (10/ 279)، رقم: (11483)، وقال الهيثمي: "رواه الطبراني، وفيه يحيى بن المنذر وهو ضعيف"، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (6/ 176)، برقم: (10255).
سبب للنجاة من الهلاك: فالآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر سبب لنجاة المجتمع من الهلاك الذي ربما أصابه بسبب الذنوب وتجاوز حدود الله تعالى، وارتكاب المعاصي والآثام، والإعراض عن الواجبات، فالقائم على حدود الله المطيع له، الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر سبب لنجاة مجتمعه من الهلاك، وبالمثل فإن العاصي الذي لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر سبب في هلاك مجتمعه. من رأى منكم منكرا فليغيره بيده. سبب لتكفير الذنوب: فمن فضل الله تعالى على عباده أن جعل الأعمال الصالحة سببًا للتكفير عن الذنوب، كالصلاة والصيام والحج ، وبالمثل فإن من هذه المكفرات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لما فيه من صلاح المجتمعات والأفراد. سبب لزيادة الإيمان: فمن المعروف في مذاهب أهل السنة والجماعة أن الإيمان من الأمور التي تزيد وتنقص، إذ يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ومن هنا فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما يزيد به الإيمان، وهو شعبة من شعب الإيمان، فالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الذي يبتغي بذلك وجه الله سبحانه وتعالى سيحاسب نفسه على ما يأمر به من معروف وما ينهى عنه من منكر خوفًا من غضب الله تعالى عليه. سبب في كسب الأجر الكثير: فمن فضل الله تعالى على عباده أن جعل من هذا العمل سببًا في حصول الإنسان على الأجر والثواب لعبادات لم يباشرها، فمن أمر بصلاة كان له أجر من صلاها، وكذلك من أمر بصدقة أو صوم أو نحو ذلك من الطاعات المستحبة أو الواجبة يكن له أجر من فعلها.
[٢] الحسين بن علي بن أبي طالب وهو الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشميّ، ابن فاطمة الزهراء -رضي الله عنهما-، وله من الفضل والمكانة ما لأخيه الحسن -رضي الله عنهما-؛ فهو ريحانة النبيّ من الدنيا، وسيّد شباب أهل الجنّة ، [٧] وُلِد في شهر شعبان من السنة الرابعة للهجرة، [٨] وكان -رضي الله عنه- شبيهاً بجدّه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وكان شعر رأسه شديد السواد كما لحيته. [٩] محسن بن علي بن أبي طالب تُوفّي بعد ولادته وهو صغير جداً.
أبناء فاطمة الزهراء حيث كانت السيدة فاطمة صابرة وقانعة وشاكرة لله عز وجل، ورزقت من زوجها بأربعة من الأبناء اثنان من الذكور وهما الحسن والحسين حفيدا رسول الله صلّ الله عليه وسلم، وكان يحبهما كثيرًا واثنان من الإناث وهما أم كلثوم وزييب، وكان الرسول يلاعب أحفاده كثيرًا، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قالَ من أحبَّهما فقد أحبَّني ومن أبغضَهما فقد أبغضَني) [درر السحابة]، ويَعْنِي الحَسَن وَالحُسَيْن. ولد الحسن في نصف شهر رمضان في السنة الثالثة من الهجرة، واختلف في سنة وفاته، فهناك من قال أنه مات سنة تسعة وأربعين، وقيل سنة خمسين، وقيل سنة إحدى وخمسين، وقيل أيضًا سنة أربعة وأربعين وثمان وخمسين، وقال البعض أنه مات مسمومًا، أما الحسين فوُلد في شعبان سنة أربعة، وحفظ الأحاديث عن جده رسول الله ورواها عنه، وقُتل في يوم عاشوراء سنة إحدى وستين. نشأة فاطمة الزهراء نشأة السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها في أحضان الوحي والنبوة في بيت مفعم بكلمات الله وآيات القرآن المجيد، حيث سمع المسلمون رسول الله صلّ الله عليه وسلم " يقول إنّما سُمِّيتْ فاطمةُ فاطمةَ لأن الله عزّ وجل فَطَمَ من أحبّها من النار "، وكانت السيدة فاطمة تشبه الرسول كثيرًا في صفاته وأخلاقه، حيث قالت أم سلمة زوجة الرسول عليه الصلاة والسلام فاطمة أشبه الناس برسول الله، وكانت عائشة رضي الله عنها تقول أنها أشبه الناس برسول الله بحديثها ومنطقها، وكانت فاطمة لا تحب أحدًا قدر حبها لأبيها.
وقد سمع المسلمون رسول الله ( صلى الله عليه وآله): " يقول إنّما سُمِّيتْ فاطمةُ فاطمةَ لأن الله عزّ وجل فَطَمَ من أحبّها من النار ". كانت فاطمة الزهراء تشبه سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه وآله) في خَلْقه وأخلاقه. تقول أم سلمة زوجة رسول الله ( صلى الله عليه وآله): فاطمة أشبه الناس برسول الله ( صلى الله عليه وآله) وكانت عائشة تقول: إنّها أشبه الناس برسول الله بحديثها ومنطقها. وكانت فاطمة لا تحب أحداً قدر حبّها لأبيها. كانت ترعى أباها وعمرها ست سنين ، عندما توفيت أمها خديجة الكبرى ، فكانت تسعى لملء الفراغ الذي نشأ عن رحيل والدتها. وفي تلك السنّ الصغيرة شاركت أباها محنته وهو يواجه أذى المشركين في مكّة. كانت تضمّد جراحه ، وتغسل عن ما يُلقيه سفهاء قريش, وكانت تحدّثه بما يُسلّي خاطره ويدخل الفرحة في قلبه ؛ ولهذا سمّاها سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله) أمَّ أبيها ، لفرط حنانها وعطفها على أبيها ( صلى الله عليه وآله). بلغت فاطمةُ سنَّ الرشد ، وآن لها أن تنتقل إلى بيت الزوجية ، فخطبها كثير من الصحابة في طليعتهم أبو بكر وعمر ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله) يردّ الخاطبين قائلاً: إنني أنتظر في أمرها الوحي, وجاء جبريل يخبره بأن الله فد زوّجها من علي.