أي: إننا يجب أن نبتعد عن الظرف والحالة التي تحدث فيها العدوى. فالعدوى ليست سبباً بل هي حالة قدَّرَها الله. وأما الطيرة فهي طيرة أهل الجاهلية التي ذكرت آنفاً. ولا عبرة بقول الخطابي في شرحه لمعنى الحديث ( والشؤم …) فالعطف ليس من باب الاستثناء، ولا من باب عطف التفسير. بل الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر حالة نفسية تحدث للإنسان ومنها هذه الحالات الثلاث. بدليل ما أخرجه أبو داود في كتاب الطب « الطيرة من الشرك… » والحديث عن ابن مسعود وفيه « وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل » فالحديث فيه علة وهي أن قول الرسول هو « الطيرة من الشرك » فقط. وما بعده هو من قول ابن مسعود هكذا نقله البخاري عن سليمان بن حرب. فالجاهليون فهموا أن الطيرة لها تأثير والحيوان ليس له تأثير قطعاً ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك. وقول ابن مسعود يُظْهِرُ أن هناك أمرين: الطيرة بمعنى الجاهلية، والمعنى الآخر الذي فهمه ابن مسعود هو (الشؤم) وهو معنى نفسيٌّ، ولذلك فالرسول ذكر الشؤم لاقتضاء الكلام هذا المعنى النفسي فلم ينكره. وكذلك الفأل فهو حالة نفسية أيضاً. وهذا واضح في معنى الإضافة من قول الرسول في حديث آخر « لا طيرةَ وخيرها الفألُ » فالفأل هو المعنى النفسي الداخل ضمن معنى الطيرة أيضاً.
والحق الحق أقول: إنه بحث قل نظيره في الاستقصاء وفي إزالة الإشكال عن مفهومين رئيسين هما القطعي والظني، وعن قضية البحث في النص. على أنني وقفت مطولاً عند آخر المقال (تقريباً) وهو الكلام على حديث الرسول صلوات الله وسلامه عليه: وقفت لأمرين حزَّ أحدهما في نفسي (وهو نحوي)، والآخر حول مضمون الحديث « لا عدوى ولا طِيَرَةَ في الإسلام ». فأما الأمر النحوي فمضاده أن «لا» عند الأخ الكريم كاتب المقال، حفظه الله، تعني (لا) الناهية وهو ير بها ناهية بالفعل. فعجبت إذ لا أعهد في مصطلح النحو «لا» الناهية تدخل على الاسم. فلا الناهية تختص بالأفعال، وهي جازمة. وأما النافية فهي الداخلة على الأسماء، وربما على الأفعال في حالات مخصوصة. وهذا من حيث الأصل في الاصطلاح. وأما (لا) التي للنهي فهي كقولك: لا تفعل كذا، وكقولك: لا تفعل كذا، وكقول الله سبحانه] لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارى [ فهي تدخل على الفعل المضارع وتفيد الامتناع والمنع عن العمل المأمور بتركه والمستفاد من الفعل الذي دخلت عليه (لا). ومن حيث العمل فهي جازمة للفعل المضارع. وأما (لا) النافية فهي لها معان مثيرة، مثال دخولها على الفعل قولك: أنت لا تكذب.
قال تعالى: (قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) [3] ، وقد جاءت هذه الآية الكريمة في ذكرِ قصة النبي صالح -عليه السلامُ مع قومّه. الأدلة الشرعية من السنة النبوية على تحريم التطير وردتُ العديدُ من الأحاديثِ النبويّة التي تُحرمُ التطيّر وتنهى عنّهُ ومنْ أهمها حديثُ (لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَلَا صَفَرَ وَلَا هَامَةَ) [4] ، وقد جاءَ هذا الحديثُ الشريف نافيًا لأمور أربّعة كان يعتقدُ أهل الجاهليّة بأنّها تسببُ الشر فيتشاءمون منّها، وهيْ العدوى أي انتقال مسببات المرض من المريض إلى السليم، ولا طيرة أي الإقدام والإحجام بناء على التشاؤم بطريقة طيران الطائر أو غيره من صور التشاؤم. إلى هُنا نكون قد وصلنا إلى نهايةِ مقالنا التشاؤم بمايقع من المرئيات أو المسموعات أو الأيام أو الشهور أو غيرهما هو ، حيثُ سلطنا الضوءَ على معنىْ التطيّر، وحكمهُ، والأدلة الشرعيّة الواردة في تحريمه.
إذًا: لكي ننجو مِن التَّطَيُّرِ، أو نتخلَّصَ منه لو وَقَعنا فيه: أولًا: علينا بالتوكُّلِ على الله تعالى، كما في الحديث المتقدِّم: (ولكنَّ الله يُذهِبُهُ بالتوكُّلِ). ثانيًا: أن نَمْضيَ لقَضَاءِ قَصْدِنا وألاَّ نرْجِعَ مِن أجلها، قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ فقدْ قَارَفَ الشِّرْكَ) رواه ابنُ وهبٍ وصحَّحه الألباني، وقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (لَنْ يَلِجَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى: مَنْ تَكَهَّنَ أَوْ تُكُهِنَّ لَهُ، أَوْ رَجَعَ مِنْ سَفَرٍ تَطَيُّرًا) رواه تَمَّام وجوَّد إسناده الألباني. فالإنسانُ قد يَجدُ في قلبهِ تَطَيُّرًا، وقد قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (ذاكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ في صُدُورِهِمْ فَلا يَصُدَّنَّهُمْ) رواه مسلم. ثالثًا: الدُّعاءُ: سُئلَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كما تقدَّم عن كفَّارةِ مَن رَدَّتْهُ الطِّيَرَة، فقال: (أنْ تقُولَ: اللَّهُمَّ لا خَيْرَ إلاَّ خَيْرُكَ، ولا طَيْرَ إلاَّ طَيْرُكَ، ولا إلَهَ غيرُكَ). رابعًا: عدمُ الالتفات للوساوس، ونتذكَّرَ دائمًا: الإيمان بالقضاء والقدر، قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (لا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حتى يُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، حتَّى يَعْلَمَ أنَّ ما أصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وأنَّ ما أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ) رواه الترمذي وصحَّحه الألباني.
لقاء محمد بن سلمان مع عبدالله المديفر | كامل - YouTube
عاجل ومفاجئ:لجين الهذلول تعلنها وتصدم محمد بن سلمان بعد لقاء نائبة بايدن في أمريكا - YouTube