فجعلها لحسّان بن ثابت ، وأبيّ بن كعب. قال تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون. وقد بيَّن الله خصال البِرّ في قوله: { ولكن البر من آمن باللَّه واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنَّبيّين وآتى المال على حُبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقامَ الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس} في سورة [ البقرة: 177]. ( فالبرّ هو الوفاء بما جاء به الإسلام ممَّا يعرض للمرء في أفعاله ، وقد جمع الله بينه وبين التَّقوى في قوله: { وتعاونوا على البِر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} [ المائدة: 2] فقابل البرّ بالإثم كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث النّواس بن سِمْعان المتقدّم آنفاً. وقوله: { وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم} تَذْييل قُصد به تعميم أنواع الإنفاق ، وتبيين أنّ الله لا يخفى عليه شيء من مقاصد المنفقين ، وقد يكون الشيء القليل نفيساً بحسب حال صاحبه كما قال تعالى: { والذين لا يجدون إلاّ جهدهم} [ التوبة: 79]. وقوله: { فإن الله به عليم} مراد به صريحه أي يطّلع على مقدار وقعه ممَّا رغَّب فيه ، ومرَاد به الكناية عن الجزاء عليه.
فقال لأسامة بن زيد ( اقبضه). فكأن زيدا وجد من ذلك في نفسه. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( إن الله قد قبلها منك). ذكره أسد بن موسى. وأعتق ابن عمر نافعا مولاه ، وكان أعطاه فيه عبد الله بن جعفر ألف دينار. قالت صفية بنت أبي عبيدة: أظنه تأول قول الله عز وجل: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون. وروى شبل عن أبي نجيح عن مجاهد قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري أن يبتاع له جارية من سبي جلولاء يوم فتح مدائن كسرى; فقال سعد بن أبي وقاص: فدعا بها عمر فأعجبته ، فقال إن الله عز وجل يقول: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون فأعتقها عمر - رضي الله عنه -. وروي عن الثوري أنه بلغه أن أم ولد الربيع بن خيثم قالت: كان إذا جاءه السائل يقول لي: يا فلانة أعطي السائل سكرا ، فإن الربيع يحب السكر. لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون تفسير. قال سفيان: يتأول قوله جل وعز: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون. وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يشتري أعدالا من سكر ويتصدق بها. فقيل له: هلا تصدقت بقيمتها ؟ فقال: لأن السكر أحب إلي فأردت أن أنفق مما أحب. وقال الحسن: إنكم لن تنالوا ما تحبون إلا بترك ما تشتهون ، ولا تدركوا ما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون.
وفسر قوله تعالى " وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم "، أي أن مهما أنفقوا من شيء وتصدقوا به من الأموال فإنّ الله تعالى يتصدَّق به المتصدِّق منكم، وينفقه مما يحبّ في سبيل الله، وفسر " عليم " أنه ذو العلم الذي يعرف كل شيء، وقد قيل عن قتاده في قوله تعالى " وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم ": محفوظٌ لكم ذلك، اللهُ به عليمٌ شاكرٌ له. قيل عن مجاهد في قوله تعالى " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ": كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري أنْ يبتاع له جارية من جَلولاء يوم فُتحت مدائن كسرى في قتال سَعد بن أبي وقاص، فدعا بها عمر بن الخطاب فقال: إن الله يقول " لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبون "، فأعتقها عمر. وقيل عن أنس بن مالك في قوله تعالى ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ): مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا، وقال أبو طلحة: يا رسول الله حائطي الذي بكذا وكذا صَدَقة، ولو استطعت أن أجعله سرًّا لم أجعله علانية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلها في فقراء أهلك. لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون اعراب. وقيل عن أنس بن مالك لما انزلت الآية الكريمة " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون "، فقد قال أبو طلحة: يا رسول الله إنّ الله يسألنا من أموالنا، اشهدْ أني قد جعلت أرضي بأرْيحا لله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلها في قرابتك، فجعلها بين حسان بن ثابت وأبيّ بن كعب.
الإعراب: الفاء عاطفة (من) اسم شرط جازم مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (افترى) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف في محلّ جزم فعل الشرط (على اللّه) جارّ ومجرور متعلّق ب (افترى)، (الكذب) مفعول به منصوب (من بعد) جارّ ومجرور متعلّق ب (افترى)، (ذا) اسم إشارة مبنيّ في محلّ جرّ مضاف إليه واللام للبعد والكاف للخطاب الفاء رابطة لجواب الشرط (أولاء) اسم إشارة مبنيّ على الكسر في محلّ رفع مبتدأ (هم) ضمير فصل لا محل له (الظالمون) خبر المبتدأ أولئك مرفوع وعلامة الرفع الواو. جملة: (من افترى... ) لا محلّ لها معطوفة على جملة قل في السابقة. وجملة: (افترى... ) في محلّ رفع خبر المبتدأ (من). وجملة: (أولئك... ) الظالمون: في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء. الصرف: (افترى)، فيه إعلال بالقلب، أصله افتري بالياء، جاءت الياء متحرّكة بعد فتح قلبت ألفا، وزنه افتعل.. إعراب الآية رقم (95): {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95)}. إسلام ويب - التفسير الكبير - سورة آل عمران - قوله تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون- الجزء رقم3. الإعراب: (قل) فعل أمر والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت والخطاب موجّه إلى الرسول صلى اللّه عليه وسلّم (صدق) فعل ماض (اللّه) لفظ الجلالة فاعل مرفوع الفاء عاطفة لربط المسبّب بالسبب (اتّبعوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون والواو فاعل (ملّة) مفعول به منصوب (إبراهيم) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الفتحة (حنيفا) حال من إبراهيم منصوبة، الواو عاطفة (ما) نافية (كان) فعل ماض ناقص واسمه ضمير مستتر تقديره هو (من المشركين) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر كان، وعلامة الجرّ الياء.
وقد فهم منه بعضهم أن من أنفق مما يحب كان برا وإن لم يأت بسائر شعب البر من الإيمان بجميع أركانه وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والوفاء بالعهد والصبر في البأساء والضراء وحين البأس ، وليس ما فهم بصواب ، إنما الصواب أن الإنسان لا يكون بارا بالقيام بهذه الخصال حتى ينتهي إلى هذه الخصلة - الإنفاق مما يحب - وما جعلها غاية إلا وهي أشق على النفوس وأبعد عن الحصول إلا من وفقه الله - تعالى - ووهبه الكمال. وهذا الإنفاق غير الزكاة ، خلافا لما نقل في بعض الروايات ، فإن الزكاة قد عدت في آية البقرة من شعب البر وأركانه بعد ذكر إيتاء المال على حبه ، فدل ذلك على أنهما متغايران ولا يشترط في الزكاة أن تكون مما يحب المؤدي ، بل ورد أمر العاملين عليها باتقاء كرائم أموال الناس ، ومن فضل الله - تعالى - علينا أن اكتفى منا في نيل البر بأن ننفق مما نحب ، ولم يشترط علينا أن ننفق جميع ما نحب. ثم قال - تعالى -: وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم لا يخفى عليه هل هو محبوب [ ص: 307] لديكم أو مزهود فيه ، وهل أنتم مخلصون في إنفاقه أم أنتم مراءون طالبون للشهرة والجاه ، فهو - عز وجل - يجازيكم على ما تنفقون بحسب ما يعلم من نيتكم ومن موقع ذلك من قلوبكم ، وقدر ما ترتقي بذلك أرواحكم ، فرب منفق مما يحب لا يسلم من الرياء ورب فقير لا يجد ما يحب فينفق منه ولكن قلبه يفيض بالبر حتى لو وجد ما أحب لأوشك أن ينفقه كله.
قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - «بَخْ، ذَلِكَ مَالٌ رَايِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَايِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِين".. قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ. القرآن الكريم - تفسير البغوي - تفسير سورة آل عمران - الآية 92. قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، وَرَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ: «ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ». حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ «مَالٌ رَايِحٌ». [انظر: ١٤٦١ - مسلم: ٩٩٨ - فتح: ٨/ ٢٢٣] ٤٥٥٥ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَاريُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ فَجَعَلَهَا لِحَسَّانَ وَأُبِيٍّ، وَأَنَا أَقْرَبُ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِي مِنْهَا شَيْئًا. [انظر: ١٤٦١ - مسلم: ٩٩٨ - فتح: ٨/ ٢٢٣] ذكر فيه حديث أنس - رضي الله عنه -: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالْمَدِينَةِ نَخْلًا، وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءٍ.. الحديث. سلف في الزكاة، وأخرجه أيضا في الوصايا والأشربة والوكالة (١) ، (١) سلف في الزكاة برقم (١٤٦١) باب الزكاة على الأقارب، وفي الوصايا برقم (٢٧٥٢) باب: إذا وقف أو أوصى لأقاربه، ومن الأقارب وفي الوكالة برقم (٢٣١٨) باب: إذا قال الرجل لوكيله: ضعه حيث أراك الله.
[٧] [٨] أقوال السلف في عقوق الوالدين كان الّسلف الصالح -رضوان الله عليهم- يُدركون عِظم عاقبة العاقّ لوالديه، يقول كعب الأحبار -رحمه الله- إن العقوق من أسباب تعجيل العقوبة، وحرمان البركة في العمر، بخلاف البارّ بوالديه الذي يجد البركة في عمره ورزقه ، [٩] وأشار عمر بن عبد العزيز على النّاس أن لا يتوقّعوا من العاقّ أن يودَّهم ولو أجزلوا له بالودّ والعطاء، فكيف له أن يَفعل ذلك وقد آذى بأقرب الناس إليه؟!
ومن أشد الخطر في السفر غربة الروح والجسد، حين يسافر الوالد مع أبنائه إلى بلد غير بلده، فيبيع دينه لأجل دنياه. ومن قصص الواقع أن والدا من إحدى الدول العربية سافر إلى بلد أوربي ليقضي هو وأسرته الصيف فيه، فإذا بهم يقضون الليل في أماكن لهو وعبث، ذهاب هنا وهناك، الحرية ممنوحة للجميع، مشاهدة كل الأفلام التي لا تتناسب مع مجتمعنا وقيمنا وديننا، وبينا البنت تشاهد إحدى القنوات العربية، فإذا بها تسمع شيئا لم تسمعه منذ زمن، إنه الأذان من الحرم، فهز كيانها، وصرخت في وجه أبيها: لماذا أتيت بنا إلى هنا؟ أردت أن تضيع ديننا؟ وبعد هذا المشهد الذي أخرجت فيه الفتاة كل ما في قلبها، قرر الوالد العودة فورا، بعدما أفاق من غفلته. وإن كان من الناس من يستثمر في الأموال، ولكن هناك من العقلاء من يستثمر في أولاده، وكم تفوق أبناء الفقراء، بحسن رعايتهم واهتمامهم؛ فالتفوق وحسن التربية لا علاقة لها بفقر أو غنى، ولكن لها علاقة بالتربية والبذل. أخيرا: العقوق من أمراض المجتمع، والتي يجب الانتباه لها، وأن توظف لها الطاقات المتنوعة، من دور العلماء في الدعوة وخطب الجمعة ودروس العلم، ومن الإذاعة والتلفزيون، ولعله قد يكون من المفيد أن يتبنى بعض الكتاب تأليف بعض الروايات عن هذه القضية، وأن تتحول هذه الروايات إلى مسلسلات وأفلام، حتى نستخدم الفن الهادف في علاج قضايانا، ولا شك أن الطرح الإعلامي من أبرز الوسائل تأثيرا في حياة الناس، خاصة في ظل العولمة التي نعيشها، والتأثيرات المتبادلة بين الحضارات من جراء ثورة الاتصالات.
[1] – سورة الإسراء: الآية 24 [2] – رواه ابن ماجه في صحيحه وصححه الألباني. [3] – رواه البخاري في صحيحه. [4] – رواه مسلم في صحيحه. [5] – رواه ابن أبي شيبة في مصنفه وضعفه الألباني.