ورد في روايةٍ أخرى أنّ ابنة فرعون كانت عند الشاطئ وكان قد أصابها مرض البرص، فوجدت التابوت، وأخذته وفتحته، وقِيل إنّها بَرَأت من مرضها حين نظرت إلى موسى، فأخذته إلى أمّها قائلةً لها: "إنّ هذا الصبيّ مباركٌ، عندما نظرت إليه بَرِئت من البرص"، وأراد فرعون قتله، وعَدَل عن رأيه بقول زوجته له: (قُرَّت عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ). [٤] ورد في إحدى الروايات أنّ فرعون وزوجته كانا يجلسان على النيل، فرأت زوجته التابوت، فأتى به أعوان فرعون، فأُلقِيت مَحبّته في نفس آسيا بنت مزاحم، وقالت: (لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا). ما اسم امرأة فرعون ؟ - دليل المتفوقين. [٤] [٥] وقِيل في تفسير (قُرَّت عَيْنٍ) إنّ آسيا كانت تحبّب فرعون بموسى لئلّا يقتله؛ أي أنّ موسى ممّا تقرّ به العيون وتسكُن، وتفرح برؤيته النفس، وعلّلت ذلك بقولها: (عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) ؛ [٤] أي لعلّ في موسى الخير والبِرّ، أو أن يتّخذوه ولداً؛ لجماله ووسامته اللائقة بمكانتهم ومنزلتهم، وبذلك اتّخذوه في قصرهم. [٦] وبعدما استقرّ موسى -عليه السلام- في قصر فرعون، أخذت زوجة فرعون تبحث عن مرضعةٍ له، إلّا أنّه لم يقبل أيّ مرضعةٍ، وأخبرتهم أخته قائلةً: (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ) ، [٧] وبذلك تحقّق وعد الله لأمّه؛ إذ عاد إليها ابنها، قال الله -تعالى-: (وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ).
سأل فرعون الناس عن رأيهم في مولاتهم آسية بنت مزاحم فأثنوا عليها كثيراً وقالوا أن لا مثيل لها في هذا العالم الواسع ، وما أن أخبرهم بأنها اتبعت دين موسى - عليه السلام - حتى طلبوا منه بأن يقتلها فما كان عقابها من الفرعون إلا أن ربط يديها ورجليها بأربعة أوتاد وألقاها في الشمس ، حيث الحر وأشعة الشمس الحارقة ووضعوا صخرة كبيرة على ظهرها. فمن كان يصدق بأن الملكة التي كانت تعيش في أجمل القصور بين الخدم والحشم هي الآن مربوطة بالأوتاد تحت أشعة الشمس الكاوية ، ومع ذلك فقد صبرت وتحملت الشقاء طمعاً بلقاء الله - عز وجل - والحصول على الجنة ، وذلك لاعتقادها القوي بأن الله لا يضيع أ جر الصابرين. وقبل أن تزهق روحها الطاهرة وإحساسها بدنو أجلها دعت المولى عز وجل بأن يتقبلها في فسيح جناته وأن يبني لها بيتاً في الجنة. قال تعالى: "وضرب الله مثلا للذين ءامنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين" ، التحريم (11). فمن ملاحظتنا لآية السابقة فقد قدمت (عندك) على (في الجنة) ولهذا سر عظيم ألا وهو(أنها طلبت القرب من رحمة الله والبعد من عذاب أعدائه ثم بينت مكان القرب بقولهم: "في الجنة" أو أرادت ارتفاع الدرجة في الجنة وأن تكون جنتها من الجنان التي هي أقرب إلى العرش وهي جنات المأوى فعبرت عن القرب إلى العرش بقولها: "عندك").
وعندما دعا موسى- عليه السلام- إلى توحيد الله تعالى آمنت به وصدقته، ولكنها في البداية أخفت ذلك خشية فرعون و ما لبثت حتى أشهرت إسلامها واتباعها لدين موسى- عليه السلام-، وجن جنون الفرعون لسماعه هذا الأمر المروع بالنسبة له، وحاول عبثاً ردها عن إسلامها وأن تعود كما كانت في السابق ، فتارة يحاول إقناعها بعدم مصداقية ما يدعو له موسى- عليه السلام- وتارة يرهبها بما قد يحل بها من جراء اتباعها لموسى- عليه السلام- ولكنها كانت ثابتة على الحق ولم يزحزحها فرعون في دينها وإيمانها مقدار ذرة. سأل فرعون الناس عن رأيهم في مولاتهم آسية بنت مزاحم فأثنوا عليها كثيراً وقالوا أن لا مثيل لها في هذا العالم الواسع، وما أن أخبرهم بأنها اتبعت دين موسى- عليه السلام- حتى طلبوا منه بأن يقتلها فما كان عقابها من الفرعون إلا أن ربط يديها ورجليها بأربعة أوتاد وألقاها في الشمس، حيث الحر وأشعة الشمس الحارقة [2] ووضعوا صخرة كبيرة على ظهرها. فمن كان يصدق بأن الملكة التي كانت تعيش في أجمل القصور بين الخدم والحشم هي الآن مربوطة بالأوتاد تحت أشعة الشمس الكاوية ، ومع ذلك فقد صبرت وتحملت الشقاء طمعاً بلقاء الله -عز وجل- والحصول على الجنة، وذلك لاعتقادها القوي بأن الله لا يضيع أ جر الصابرين.
ولا يؤذن لهم فيعتذرون قرأ الجمهور يؤذن على البناء للمفعول ، وقرأ زيد بن علي ولا يأذن على البناء للفاعل: أي لا يأذن الله لهم: أي لا يكون لهم إذن من الله فيكون لهم اعتذار من غير أن يجعل الاعتذار مسببا عن الإذن كما لو نصب. قال الفراء: الفاء في فيعتذرون نسق على ( يؤذن) وأجيز ذلك لأن أواخر الكلام بالنون ، ولو قال فيعتذروا لم يوافق الآيات ، وقد قال: لا يقضى عليهم فيموتوا [ فاطر: 36] بالنصب ، والكل صواب. تفسير قوله تعالى: انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب. ويل يومئذ للمكذبين بما دعتهم إليه الرسل وأنذرتهم عاقبته. هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين أي ويقال لهم: هذا يوم الفصل الذي يفصل فيه بين الخلائق ويتميز فيه الحق من الباطل ، والخطاب في جمعناكم للكفار في زمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، والمراد بالأولين كفار الأمم الماضية. فإن كان لكم كيد أي إن قدرتم على كيد الآن فكيدون وهذا تقريع وتوبيخ لهم. قال مقاتل: يقول إن كان لكم حيلة فاحتالوا لأنفسكم ، وقيل المعنى: فإن قدرتم على حرب فحاربون ، وقيل إن هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم ، فيكون كقول هود: فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون [ هود: 55]. ويل يومئذ للمكذبين لأنه ظهر لهم عجزهم وبطلان ما كانوا عليه في الدنيا.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون يقول: يدعون يوم القيامة إلى السجود فلا يستطيعون من أجل أنهم لم يكونوا يسجدون لله في الدنيا.
وفي الحديث: " إن الشمس تدنو من رؤوس الخلائق وليس عليهم يومئذ لباس ولا لهم أكفان فتلحقهم الشمس وتأخذ بأنفاسهم ومد ذلك اليوم ، ثم ينجي الله برحمته من يشاء إلى ظل من ظله فهنالك يقولون: فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم " ويقال للمكذبين: انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون من عذاب الله وعقابه انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب فيكون أولياء الله - جل ثناؤه - في ظل عرشه أو حيث شاء من الظل ، إلى أن يفرغ من الحساب ثم يؤمر بكل فريق إلى مستقره من الجنة والنار. ثم وصف النار فقال: إنها ترمي بشرر كالقصر الشرر: واحدته شررة. والشرار: واحدته شرارة ، وهو ما تطاير من النار في كل جهة ، وأصله من شررت الثوب إذا بسطته للشمس ليجف. والقصر البناء العالي. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة المرسلات - الآية 30. وقراءة العامة كالقصر بإسكان الصاد: أي الحصون والمدائن في العظم وهو واحد القصور. قاله ابن عباس وابن مسعود. وهو في معنى الجمع على طريق الجنس. وقيل: القصر جمع قصرة ساكنة الصاد ، مثل جمرة وجمر وتمرة وتمر. والقصرة: الواحدة من جزل الحطب الغليظ. وفي البخاري عن ابن عباس أيضا: ترمي بشرر كالقصر قال كنا نرفع الخشب بقصر ثلاثة أذرع أو أقل ، فترفعه للشتاء ، فنسميه القصر ، وقال سعيد بن جبير والضحاك: هي أصول الشجر والنخل العظام إذا وقع وقطع.
وقد بين ابن عباس هذا بقوله: كنا نعمد إلى الخشبة فنقطعها ثلاثة أذرع وفوق ذلك ودونه وندخره للشتاء وكنا نسميه القصر. وهذا أصح ما قيل في ذلك ، والله أعلم.
⁕ حدثني أحمد بن عمرو البصري، قال: ثنا بدل بن المحبِّر، قال: ثنا عباد بن راشد، عن داود بن أبي هند، عن الحسن ﴿كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ﴾ قال: الأينق السود. ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ﴾ كالنوق السود الذي رأيتم. ⁕ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ﴿جِمَالَةٌ صُفْرٌ﴾ قال: نوق سود. ⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران؛ وحدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، جميعا عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد ﴿كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ﴾ قال: هي الإبل. ⁕ قال: ثنا مهران، عن سعيد، عن قتادة ﴿كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ﴾ قال: كالنوق السود الذي رأيتم. انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب - مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام. وقال آخرون: بل عُني بذلك: قُلُوس السفن، شبَّه بها الشرر. ⁕ حدثني محمد بن سعيد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ﴿كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ﴾ فالجِمالات الصفر: قلوس السفن التي تجمع فتوثق بها السفن. ⁕ حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن سعيد، عن عبد الرحمن بن عابس، قال: سألت ابن عباس عن قوله: ﴿كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ﴾ قال: قُلُوس سفن البحر يجمل بعضها على بعض، حتى تكون كأوساط الرجال.
{ انطَلِقُوا إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ}: يعني لهب النار إذا ارتفع وصعد معه دخان فمن شدته وقوته أن له ثلاث شعب. { لَّا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ}: أي ظل الدخان المقابل للهب لا ظليل هو في نفسه ولا يغني من اللهب يعني ولا يقيهم حر اللهب. { إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ}: أي يتطاير الشرر من لهبها كالقصر قال ابن مسعود كالحصون وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة ومالك عن زيد بن أسلم وغيرهم يعني أصول الشجر. { كأنه جمالة صفر}أي: كالإبل السود. قاله مجاهد ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك. واختاره ابن جرير. وعن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير:{ جمالة صفر} يعني: حبال السفن. وعنه - أعني ابن عباس -: { جمالة صفر}قطع نحاس. وقال البخاري: حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا يحيى ، أخبرنا سفيان ، عن عبد الرحمن بن عابس قال: سمعت ابن عباس: ( إنها ترمي بشرر كالقصر) قال: كنا نعمد إلى الخشبة ثلاثة أذرع وفوق ذلك ، فنرفعه للشتاء ، فنسميه القصر ، ( كأنه جمالة صفر) حبال السفن ، تجمع حتى تكون كأوساط الرجال. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ:أي ويل لمن تأمل هذه المخلوقات الدالة على عظمة خالقها ثم بعد هذا يستمر على تكذيبه وكفره.
⁕ حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ﴿كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ﴾ يقول: قطع النحاس. وأولى الأقوال عندي بالصواب قول من قال: عُنِي بالجمالات الصفر: الإبل السود، لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب، وأن الجِمالات جمع جِمال، نظير رِجال ورِجالات، وبُيوت وبُيوتات. وقد اختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين ﴿جِمالاتٍ﴾ بكسر الجيم والتاء على أنها جمع جِمال وقد يجوز أن يكون أريد بها جمع جِمالة، والجمالة جمع جَمَل كما الحجارة جمع حَجَر، والذِّكارة جمع ذَكَر. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفيين ﴿كأنه جمالات﴾ بكسر الجيم على أنها جمع جمل جُمع على جمالة، كما ذكرت مِن جمع حجَر حِجارة. ورُوي عن ابن عباس أنه كان يقرأ ﴿جُمالاتٌ﴾ بالتاء وضمّ الجيم كأنه جمع جُمالة من الشيء المجمل. ⁕ حدثنا أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال. ثنا حجاج، عن هارون، عن الحسين المعلم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس. والصواب من القول في ذلك، أن لقارئ ذلك اختيارَ أيّ القراءتين شاء من كسر الجيم وقراءتها بالتاء، وكسر الجيم وقراءتها بالهاء التي تصير في الوصل تاء، لأنهما القراءتان المعروفتان في قرّاء الأمصار، فأما ضم الجيم فلا أستجيزه لإجماع الحجة من القرّاء على خلافه.