[align=justify]بسم الله الرحمن الرحيم أخي الكريم ، لمعرفة اللمسة البيانية في هذا الترتيب ، نقارن بين ما جاء من ترتيب في سورة عبس وسورة المعارج: قال تعالى في سورة عبس: ((يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ 34 وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ 35 وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ 36)). وقال تعالى في سورة المعارج: ((يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ 11 وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ 12 وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ 13 وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ 14)). فلاحظ أن هذا الترتيب في الأهل يتناسب مع سياق الآيات في السورتين. وإليك بيان ذلك: بدأ في سورة (عبس) في ذكر بذكر الأخ فالأم فالأب فالصاحبة ثم الأبناء في الأخير. ما حكمة الترتيب في قوله تعالى يوم يفر المرء من أخيه - ملتقى أهل التفسير. وفي سورة (المعارج) على عكس ذلك ، فقد بدأ بالأبناء فالصاحبة فالأخ فالفصيلة ثم انتهى بأهل الأرض أجمعين. وسبب ذلك والله أعلم أن المقام في (عبس) مقام الفرار والهرب ، قال تعالى: ((يوم يفرّ المرء)) ، والإنسان يفرّ من الأباعد أولاً ، ثم ينتهي بألصق الناس به وأقربهم إليه ، فيكونون آخر من يفرّ منهم. والأخ أبعد المذكورين في الآية من المرء. وأن ألصقهم به زوجه وأبناؤه ، فنحن ملتصقون في حياتنا بأزواجنا وأبنائنا أكثر من التصاقنا بإخواننا وآبائنا وأمهاتنا.
{ فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)} [ عبس] { فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ}: تكاد الأسماع تصاب بالصمم من شدة الصيحة يوم القيامة, وساعتها يفر المرء من أقرب الأقربين, إذ لا يملك لهم نفعاً, بل هو لا يملك لنفسه مهرباً من هول ما يرى ومن هول ما ينتظر, فلا نفع له لوالد ولا ولد ولا والدة ولا زوج, إنما الكل منشغل بنفسه وما يعاين من أهوال. قال تعالى: { فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)} [ عبس] قال ابن كثير: قال ابن عباس: { الصاخة} اسم من أسماء يوم القيامة عظمه الله وحذره عباده قال ابن جرير لعله اسم للنفخة في الصور وقال البغوي { الصاخة}يعني صيحة القيامة سميت بذلك لأنها تصخ الأسماع ، أي تبالغ في إسماعها حتى تكاد تصمها. قال السعدي في تفسيره: أي: إذا جاءت صيحة القيامة، التي تصخ لهولها الأسماع، وتنزعج لها الأفئدة يومئذ، مما يرى الناس من الأهوال وشدة الحاجة لسالف الأعمال.
لكن يجاب على ما قاله: أنه لا مانع من ذكر قاعدة كلية تدل على أحبية بعض عن آخر وفق ما جاءت به الآية القرآنية وذلك بالنظر إلى أغلبية العلاقات بين الناس، وما ذكر من فروض هي شواذ لتلك القاعدة الكلية. نسألكم الدعاء
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فأسأل الله تعالى لنا ولكم دوام العز في طاعته، ويجنبنا وإياكم الذل في معصيته، وأن يرضى عنا وعنكم رضاءً لا سخط بعده، مع تمام العافية والاستقامة، وسلامة الدنيا والآخرة. المجلة | آيـــة |{فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ. يَوْمَ يَفِرُّ الْمَر|نداء الإيمان. أما بعد: فهذه الآية تحدثنا عن مشهد عصيب من مشاهد يوم القيامة، حيث يفر المرء من الجميع ليبحث عن نجاته من عذاب الله تعالى، ويتأكد هذا الفرار من كل من يخشى أن يتعلق به ويطالبه بحقٍّ من الحقوق التي كانت مترتبة عليه. وفي هذه الآية الكريمة تدرَّج ذكر الفرار من الأدنى إلى الأعلى، فقد قدم ذكر الأخ على الأم والأب، حيث بدأ بالأدنى ثم ارتقى إلى الأعلى؛ لأن الأم والأب أكثر التصاقاً وقرباً إلى قلب الولد من أخيه، ولأن حقَّهما عليه أكثر من حقِّ أخيه. وكذلك يفرُّ من زوجته وبنيه، وهو كذلك ارتقاء من الأم والأب إلى الزوجة والبنين، لأن هوى الإنسان مرتبط بزوجته التي يحبها، أشد من ارتباط عاطفته بأمه وأبيه، وارتباط عاطفته ببنيه أشد ارتباطاً من عاطفته بزوجته. فالعبد يوم القيامة إذا كان يفرُّ من أخيه ثم من أمه وأبيه ثم من زوجته وبنيه، وذلك لما عليه من حقوق، فهو من باب أولى وأولى يفرُّ ممن هو أبعد قرابة من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه.
وينتقل البيان القرآني ليصور لنا حال العباد بقسميهم في ذلك اليوم، فتقول: (وجوهٌ يومئذ مسفرة) أي مشرقة وصبيحة. (ضاحكة مستبشرة). (ووجوهٌ يومئذ عليها غبرة). (ترهقها قترة) أي تغطيها ظلمات ودخان. (اُولئك هم الكفرة الفجرة). "مسفرة": من (الأسفار)، بمعنى الظهور بياض الصبح بعد ظلام الليل. "غبرة": على وزن (غَلَبَة)، من (الغبار). "قترة": من (القتار)، وهو شبه دخان يغشي من الكذب، وقد فسّره بعض أهل اللغة بـ (الغبار) أيضاً، ولكن ذكرهما في آيتين "الغبرة والقترة" متتاليتين منفصلتين يشير إلى اختلافهما في المعنى. "الكفرة": جمع (كافر)، والوصف يشير إلى فاسدي العقيدة. "الفجر": جمع (فاجر)، والوصف يشير إلى فاسدي العمل. ونستخلص من كلّ ما تقدّم، إنّ آثار فساد العقيدة لدى الإنسان وأعماله السيئة ستظهر على وجهه يوم القيامة. وقد اختير الوجه، لأنّه أكثر أجزاء الإنسان تعبيراً عمّاً يخالجه من حالات الغبطة والسرور أو الحزن والكآبة، فبإمكانك وبكلّ وضوح أن تعرف أنّ فلاناً مسروراً أم حزيناً من خلال رؤيتك لما انطبع على وجهه، وحالات: السرور، والحزن، والخوف، والغضب، والخجل وما شابه، لها بصمات خاصّة على ملامح وتقاسيم الوجه. وعلى أيّة حال... يوم يفر المرء من أخيه وأمه. فالوجوه الضاحكة المستبشرة، تحكي عن: الإيمان وطهارة القلب وصلاح الأعمال.