الشيخ: والأمّة الحنيفيّة هم أمّة التوحيد، فالحنيف: الـمُعْرِض عن الشِّرك، التَّارك له، الـمُقْبِل على التوحيد، وملّة الحنيفية السَّمحة هي ملّة التوحيد، ملّة الرسل؛ لأنها مُستقلّة، مائلة عن الأديان كلِّها وحدها، والأديان لا تُحصى، الأديان الباطلة لا تُحصى، وملّة الحنيفية هي ملّة إبراهيم، وهي دين الرسل جميعًا، وهي إخلاص العبادة لله وحده دون كلِّ ما سواه، فهي مائلةٌ عن الأديان، وصاحبها حنيفٌ مُعْرِضٌ عن الأديان كلِّها التي يتعلّق بها الناس، تاركٌ لها، مُتمسّكٌ بدينٍ واحدٍ درج عليه الرسل، وهو توحيد الله، والإخلاص له، والإعراض عن الشرك وأهله، والبراءة من الشرك وأهله. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ. يَقُولُ تَعَالَى: أَحَقُّ النَّاسِ بِمُتَابَعَةِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ عَلَى دِينِهِ وَهَذَا النَّبِيُّ -يَعْنِي مُحَمَّدًا ﷺ- وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ أَصْحَابِهِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَمَنْ تبعهم بعدهم. من نزلت عليه التوراة - إسألنا. الشيخ: وهم أولياء الرسل، كما أنهم أولى الناس بإبراهيم فهم أولى الناس بمَن قبله من الرسل، ومن بعده، فأولياء الرسل هم أهل الدِّين، أهل التوحيد والإيمان من أمة محمدٍ ومَن قبلهم من أتباع الرسل عليهم الصلاة والسلام، هم أتباع الأنبياء، أولى الناس بإبراهيم هم الذين اتَّبعوه من أولاده وأتباعه إلى بعث محمدٍ عليه الصلاة والسلام، هم أولى الناس به، وهذا النبيّ والذين آمنوا من أتباعه كذلك.
وقال الضياء في المختارة 153: قال ابن مردويه وحدثنا سليمان بن أحمد ثنا ابن أبي مريم ثنا الفريابي قالا ثنا سفيان عن الأعمش عن حسان بن أبي الأشرس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} قال نجوم القرآن فصل القرآن من الذكر فوضع في بيت العزة في السماء الدنيا فجعل جبريل ينزله على النبي صلى الله عليه وسلم يرتله ترتيلا قال سفيان خمس آيات ونحوها فليس في هذه الأخبار ما يعضد الخبر الأول هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم..
وفي آية البقرة يقول سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة:168]، خطواته: طرقه ومسالكه، ثم قال سبحانه: إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [البقرة:169]، هذه أوامره: يأمر بالسّوء والفحشاء والقول على الله بغير علمٍ، وهذا المقام خطيرٌ جدًّا على مَن ينتسب إلى العلم؛ لأنَّ الجاهل معروفٌ، ولو قال لا يُلتفت إليه، لكن إذا كان القائلُ ممن ينتسب إلى العلم فالأمر أخطر! فالواجب على المنتسب إلى العلم أن يتَّقي الله، وأن يحفظ لسانه إلا عن علمٍ وبصيرةٍ في كل شيءٍ؛ لأنَّ طالب العلم يُقتدى به، ويُؤخذ بقوله، ولا سيما عند مَن يعرفه، فالواجب أن يحرص جدًّا على ألا يتكلم إلا عن بصيرةٍ، وعن دليلٍ، وعن تثبتٍ، حتى لا يقول على الله ولا على رسوله بغير علمٍ، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا أَيْ: مُتحنِّفًا عن الشِّرك، قاصدًا إلى الإيمان، وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، وَهَذِهِ الْآيَةُ كَالَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا الآية [البقرة:135].
وفي الحديثِ: بيانُ عِظَمِ فَضْلِ سُورةِ الفاتحةِ. وفيه: بيانُ حِرصِ الصَّحابةِ على اغتِنامِ العِلْمِ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. وفيه: مشروعيَّةُ اختِصاصِ بعضِ النَّابهينَ ببعضِ العِلْمِ؛ تشجيعًا لهم، وتودُّدًا إليهم().