﴿ تفسير البغوي ﴾ "والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون". ﴿ تفسير الوسيط ﴾ قوله: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ أى: أن من صفات هؤلاء المؤمنين الصادقين، الذين إذا مسهم الشر لا يجزعون، وإذا مسهم الخير لا يمنعون.. أنهم لا يخلون بشيء من الأمانات التي يؤتمنون عليها، ولا ينقضون شيئا من العهود التي يعاهدون غيرهم عليها، وإنما هم يراعون ذلك ويحفظونه حفظا تاما. فقوله راعُونَ جمع راع، وهو الذي يرعى الحقوق والأمانات والعهود ويحفظها ويحرسها، كما يحرس الراعي غنمه وإبله حراسة تامة. ﴿ تفسير ابن كثير ﴾ وقوله: ( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) أي: إذا اؤتمنوا لم يخونوا ، وإذا عاهدوا لم يغدروا. وهذه صفات المؤمنين ، وضدها صفات المنافقين ، كما ورد في الحديث الصحيح: " آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان ". تفسير: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون). وفي رواية: " إذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر ". ﴿ تفسير القرطبي ﴾ والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون تقدم أيضا. ﴿ تفسير الطبري ﴾ القول في تأويل قوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَيقول تعالى ذكره: وإلا الذين هم لأمانات الله التي ائتمنهم عليها من فرائضه، وأمانات عباده التي ائتُمِنُوا عليها، وعهوده التي أخذها عليهم بطاعته فيما أمرهم به ونهاهم، وعهود عباده التي أعطاهم على ما عقده لهم على نفسه راعون، يرقبون ذلك، ويحفظونه فلا يضيعونه، ولكنهم يؤدّونها ويتعاهدونها على ما ألزمهم الله وأوجب عليهم حفظها.
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وقوله: ( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) أي: إذا اؤتمنوا لم يخونوا ، بل يؤدونها إلى أهلها ، وإذا عاهدوا أو عاقدوا أوفوا بذلك ، لا كصفات المنافقين الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان ".
وكذلك كل من جاء بعدهم من العلماء والدعاة، فهم أمناء في تبليغ هذا الدين. فضل الأمانة: عندما يلتزم الناس بالأمانة يتحقق لهم الخير، ويعمهم الحب، وفي الآخرة يفوز الأمناء برضا ربهم، وبجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. الخيانة: كل إنسان لا يؤدي ما يجب عليه من أمانة فهو خائن، والله -سبحانه- لا يحب الخائنين، قال تعالى: {إن الله لا يحب من كان خوانًا أثيمًا} النساء: 107. جزاء الخيانة: بيَّن النبي أن خائن الأمانة سوف يعذب بسببها في النار، وسوف تكون عليه خزيا وندامة يوم القيامة، وسوف يأتي خائن الأمانة يوم القيامة مذلولا عليه الخزي والندامة، قال النبي: (لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة) متفق عليه ويا لها من فضيحة وسط الخلائق!! تجعل المسلم يحرص دائمًا على الأمانة، فلا يغدر بأحد، ولا يخون أحدًا، ولا يغش أحدًا، ولا يفرط في حق الله عليه. الخائن منافق: الأمانة علامة من علامات الإيمان، والخيانة إحدى علامات النفاق، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائْتُمِنَ خان) [متفق عليه]. وزير الأوقاف: الإيمان يجب أن يُتَرجم في حياتنا إلى سلوك - اليوم السابع. فلا يضيع الأمانة ولا يخون إلا كل منافق، أما المسلم فهو بعيد عن ذلك. وقوله: { وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} أي: يواظبون عليها في مواقيتها، كما قال ابن مسعود: سألت النبي فقلت: يا رسول الله، أيّ العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها.
وهذان تمثيلان لما يحصل للأمانة حين تقبض أو تضيّع ، فلا يبقى منها سوى أثر بعد عين كما يقال. وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم حال الناس حين تقبض الأمانة حيث يجتمعون كلهم على تضييعها حتى يصير الأمين بينهم عملة صعبة كما يقال ، فيشار إلى ندرته، وحينئذ يمتدح مضيع الأمانة فيوصف بالتعقل والظرف والجلد ،وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان ،وهو مثقال يدل على فقدان الإيمان. وإذا كان الله عز وجل قد جعل حصول الإيمان برعاية الأمانة والعهد ، فإن فقدانه يكون بتضييعهما كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا بد من التذكير بأن لفظتي أمانة وعهد تنسحبان على شتى المعاملات بين الناس المادية منها والمعنوية ، وهي معاملات تتسع وتتنوع لتشمل العديد من مجالات الحياة ، ويكون الله عز وجل رقيبا عليهم فيها ، وتكون سببا في تمكن الإيمان من قلوبهم إن أحسنوا أو خلوها منه إن أساءوا ، والإحسان في تلك المعاملات يكون بحفظ الأمانات والعهود ، والإساءة تكون بتضييعها. وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ | تفسير ابن كثير | المعارج 32. حديث هذه الجمعة الداعي إليه ما آلت إليه حال الأمة الإسلامية من استخفاف بالإيمان من خلال الاستخفاف بالأمانات والعهود وتضييعها. ولقد صار الناس يعدون الأمناء على رؤوس الأصابع ، ويقولون كما جاء في الحديث النبوي الشريف: » إن في بني فلان رجلا أمينا «.
قال أبو السعود: {والذين هُمْ لأماناتهم وَعَهْدِهِمْ}. لما يُؤتمنون عليه ويُعاهدون من جهة الحقِّ أو الخلقِ {راعون} أي قائمون عليها حافظون لها على وجه الإصلاحِ. وقرئ {لأمانتِهم}. {والذين هُمْ على صلواتهم} المفروضةِ عليهم {يُحَافِظُونَ} يُواظبون عليها ويُؤدُّونها في أوقاتها. ولفظُ الفعلِ فيه لما في الصَّلاةِ من التَّجدُّدِ والتَّكرُّر وهو السرُّ في جمعها وليس فيه تكريرٌ لما أنَّ الخشوعَ في الصَّلاة غيرُ المحافظةِ عليها. وفصلهما للإيذانِ بأنَّ كلًا منهما فضيلةٌ مستقلَّةٌ على حيالِها ولو قُرنا في الذِّكرِ لربَّما توهِّم أنَّ مجموعَ الخشوعِ والمحافظةِ فضيلةٌ واحدةٌ. {أولئك} إشارةٌ إلى المؤمنين باعتبار اتِّصافِهم بما ذُكر من الصِّفاتِ. وإيثارُها على الإضمار للإشعار بامتيازهم بها عن غيرهم ونزولهم منزلة المُشار إليه حِسًّا، وما فيه من معنى البُعدِ للإيذانِ بعلوِّ طبقتهم وبُعدِ درجتهم في الفضل والشَّرفِ أي أولئك المنعوتُون بالنُّعوت الجليلة المذكورةِ {هُمُ الوارثون} أي الأحِقَّاءُ بأنْ يُسمَّوا ورَّاثًا دون مَن عداهم ممَّن ورِثَ رغائب الأموال والذَّخائرِ وكرائمهما. {الذين يَرِثُونَ الفردوس} بيانٌ لما يرثونَه وتقييدٌ للوراثة بعد إطلاقها وتفسيرٌ لها بعد إبهامِها تفخيمًا لشأنها ورفعها لمحلِّها وهي استعارةٌ لاستحقاقهم الفِردوسَ بأعمالهم حسبما يقتضيه الوعدُ الكريمُ للمبالغة فيه.
وهكذا يؤكد القرآن المسألة النفسية للإنسان، في جانبها السلبي، عندما تتحول إلى مسألةٍ عمليةٍ واقعيةٍ تنعكس على الجانب السلوكي من حياته، فهي ليست مجرد حالةٍ طارئةٍ خاضعة للظروف المحيطة به، بل هي حالة غريزية في طبيعة تكوينه الغريزي في الضعف الشعوري الذي يقوده إلى الجزع والسقوط، وإلى البخل والحرص. ولكن هذه الغريزة ككل الغرائز الإنسانية، لا تمثّل حتمية الحالة السلبية في نتائجها العملية، لأنها يمكن أن تتحول إلى حالةٍ إيجابيةٍ من خلال التهذيب الروحي الذي ينعكس إيجاباً على التهذيب العملي، ليتوازن السلوك الأخلاقي في شخصيته، فيأخذ بأسباب القوّة عندما ينفتح على الله في انفتاحه على قوّة الله، كما يعيش روحية العطاء عندما يتطلع إلى امتداد حركة النعمة في المستقبل، كما امتدت في الماضي، لأن الله الذي أعطى الإنسان في الماضي هو الذي يعطيه في المستقبل، فيزداد ثقة بالأمن المستقبلي بالرزق، فلا يمنع ولا يبخل على عباد الله. الإنسان في صورته الإِيجابية وهذا ما جعل استثناء المصلّين في قوله تعالى: {إِلاَّ الْمُصَلِّينَ} أمراً طبيعياً، من خلال ما ترمز إليه الصلاة في حياة الإنسان المؤمن من إيمانٍ بالله، وثقةٍ به، وتوكلٍّ عليه، واستسلام له، وانفتاح على معنى العبودية في ذاته، في ما يؤكده ذلك من إحساسٍ بمعنى الحرية الإنسانية أمام الكون كله، لأنه يتساوى معه في كونه مخلوقاً لله تعالى.