{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} حين تشفّ الروح وتصفو تتسنّم منزلة شاهقةً ، وتبلغ شأواً رفيعاً ترهف السمع الى كلّ ساكنٍ ومتحركٍ.. وتصغي إليه وهو يتنفس بالحمد ، ويتهدج بالتسبيح: الشجر، والنجوم ، والطير،... «وإنْ من شيءٍ إلاّ يُسبّحُ بحَمْدهِ وَلكِنْ لاتٓفقَهون تَسبيحَهُم.. ». لقد كان لسيدنا داوود عليه السلام صوتاً رخيماً آية من إبداع الخالق يتسلل إلى مسام الكون ؛ تسلل خيوط النور إلى أفراح القلوب.. تصغي له الجبال.. وترجع صداه الوديان.. وتعنو له رقاب الطير ، ووحش الفلاة فلا تملك حراكاً..! فكل روح هناك.. قد امتلكتها " مزامير داوود"...! هنا نرى صورتان متقابلتان تقف روح الإنسان في إحداهما بجانب ، وتقف روح الكون الكبرى بكل ماتحويه في الجانب الآخر ؛ يؤلفان معاً وحدة لاتتجزأ.. تعزف على وترٍ واحد لحناً منسجم الإيقاع يهمي بالسعادة والسلام ، ويوحي بسكون الظاهر وتوحد لغة الأرواح ، حيث تتحدث بلا دليل.. ولاتحتاج إلى ترجمة لتقرأ ماحولها..! ويسألونك عن الروح سورة الكهف. حالة يعيشها كثير من الناس وهم بين أحضان الطبيعة الأم..! ويفتقدونها حين يحتويهم ضجيج الحياة ، ويشلّ وصلهم مع الحياة البكر ؛ فينطلق اللحن النشاز ؛ ليقطع خيط الانسجام ، فيتوارثوا القلق، ويفتقدوا سلام الروح!
فقد لوحظ أنّ هذه الفئران بدأت تضعف قليلاً قليلاً، مع نقص الأوكسجين واستهلاكه، وامتلاء غرفة الاختبار بمعاكسه ثم ماتت، وتركت فترة قبل فتح زجاجات الاختبار لمحاولة السيطرة على سرّ الحياة فيها، وهي الرّوح، ومعرفة كنهها، والطريق الذي تنفذ معه، وهل تكسر هذه الزجاجات واحدة بعد الأخرى لتخرج؟. لكن التجربة خرجت بنتيجة الفشل عن تصور هذه الرّوح وحجمها وكنهها، ومن أين تجيء وكيف تذهب، وصدق الله في قوله الكريم: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (الإسراء آية 85). وفي هذا برهان على عجز وضعف، النفس البشرية، والعرفان بذلك من مداخل العبادة الوجدانية، لإرجاع الأمر والعلم لله سبحانه.
وقد روى ابن جرير عن عكرمة قال: سأل أهل الكتاب رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم عن الروح، فأنزل الله: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ}: فقالوا: تزعم أنا لم نؤت من العلم إلا قليلاً وقد أوتينا التوراة وهي الحكمة {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [سورة البقرة: 269]، قال: فنزلت: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [سورة لقمان: 27]. وقال محمد بن إسحاق، عن عطاء بن يسار قال: نزلت بمكة {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}، فلما هاجر رسول الله صل الله عليه وسلم إلى المدينة، أتاه أحبار يهود، وقالوا: يا محمد! ألم يبلغنا عنك أنك تقول{ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} أفعنيتنا أم عنيت قومك؟ فقال: (كلاً قد عنيت)، فقالوا: إنك تتلو أنا أوتينا التوراة، وفيها تبيان كل شيء فقال رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم: «هي في علم اللّه قليل وقد أتاكم ما إن عملتم به انتفعتم» وأنزل الله: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [سورة لقمان: 27].
ويحس دبيب الرحمة يمسح على فؤاده وبلطف الله الخفي يحتويه..! تلك هي لحظات الاستغراق الروحية ، والتبتل العميق الذي يمتزج فيه الإنسان بالكون ليصبحا كياناً واحداً..!! وقد تمر تلك اللحظات الروحية على بعضنا.. وتتفاوت بين إنسان وآخر في درجة عمقها وشفافيتها.. لكنها لحظات سعادة حقيقية.. تعشقها الروح ، وتتعلق بها ، لأنها تنزع عنا ثوب الدنيا وتشرع لنا نافذة تطل على مرائي الخلد التي تترقبها الروح بشغف ، وتحلم بسكناها..! تفسير: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي). ابن تيمية ~ ولشيخ الإسلام ابن تيمية قول بهذا الشأن وهو: أن الإنسان عبارة عن البدن والروح مَعاً ، بل هو بالروح أخص منه بالبدن ، وإنما البدن مَطية للروح.. ولاتزال الخصومة يوم القيامة بين الخلق حتى تختصم الروح والبدن ، فتقول الروح للبدن:أنتَ عَملتَ السّيئات!! فيقول البدن للروح: أنتِ أمرتني!! فيبعث الله ملكاً يقضي بينهما فيقول: إنما مثلكما كمثل مُقعد وأعمَى ، دخلا بستاناً ، فرأى المقعد فيه ثمراً معلقاً، ْ فقال للأعمَى: إني أرى ثمراً ، ولكنّي لا أستطيع النهوض إليه! فقَال الأعمَى: ولكنّي أستطَيع النُهوض إليّه ولكنِّي لا أرَاه, فقال المُقعد: تعال فأحملني حتى أقطفه ، فحمله فجعل يأمره فيسير به إلى حيث يشاء حتى يقطع الثِّمار.
هل الروح موجودة قبل الجسد؟ تساؤل قديم متجدد، لكن ما أجمع عليه المفسرون أن الأرواح خلقها الله قبل الأجساد بوقت لا نعلمه، مستندين إلى قوله تعالى (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين)، حيث جمع الله في زمن ما وبكيفية لا يعلمها إلا هو سبحانه، ذرية آدم في أول الخلق في صورة أرواح وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى، لكن أحداً من بني آدم لا يتذكر هذا الميثاق، ولسنا بصدد التعمق في هذه الحادثة، فالتفاسير متاحة لمن أراد الاستزادة. الشاهد من الحديث أن الأرواح كانت تعيش بطريقة ما في حياة معينة لها قوانينها، كانت تتعامل مع بعضها البعض بصورة معينة لا ندري كيفيتها، ولسنا مطالبين بمعرفتها، والحديث الصحيح " الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف" (صحيح البخاري) قد يساعدنا على فهم الكثير من هذه المسألة. إذ ربما عمليات التآلف والتناكر التي تحدث بين البشر في هذه الحياة لها أصل، وأن الحاصل الآن هو امتداد لذلك الأصل، بمعنى أن الأرواح ربما في تلك الحياة، تلاقت وتعارفت مع بعضها البعض في كيفية وطريقة معينة لا نعلمها وتوقفت بسبب ما، بحيث تكتمل تلك العمليات في هذه الحياة الدنيا.
فتشعر الروح مشاعر الأخرى ، وتحس حالات حزنها وألمها، فينقبض قلبها ، ويوجعها وخز في أعماقها ، وقلق يسلب راحتها فتعرف أن تلك الروح الحبيبة النائية قد ألمّ بها أمرٌ ما.. حتى وإن باعدت بينهما المسافات ، وانقطعت السبل!! سياحة الروح في النوم ~ وفي النوم... ترحل الروح وتذهب في سياحةٍ خارج جسدها... ثم تعود الروح التي لم يحين أجلها إلى الجسد حين يستيقظ... وقد لاتعود وتكون رحلتها أبدية لمن كتب عليهاحصول الأجل!.. ومن عجائب حلم النائم رؤيته لأماكن وأشخاص لم يسبق له معرفتهم.. ويسالونك عن الروح قل الروح. حتى إذا ماسافر يوماً ومر بذلك المكان للمرة الأولى بدا له مألوفاً... وإذا قابل هؤلاء الأشخاص للمرة الأولى بدت له وجوههم مألوفة... فيتسائل: أين رأيتهم من قبل؟ قرأت في أحدى الكتب التي تبحث عن الأسرار الروحية: أن سيدة ولدت عمياء كانت تصف ماترى في منامها بدقة ووضوح المبصر لكل الأشياء والألوان.. ولما توفيت شرحت جثتها وتبين أن أعصاب البصر عندها كانت ميتة!!. وقرأت أيضاً أن بعض المخترعين والمكتشفين قاموا بأروع أعمالهم عندما شاهدوها في أحلامهم أمثال الرياضي المعروف( بوانكاريه) حين رأى معادلات جبرية أدت الى استكشافه قانوناً رياضياً هاماً!!.