قال القرطبي وغيره: أي لكان إلهامه الحمد لله أكبر نعمة عليه من نعم الدنيا ؛ لأن ثواب الحمد لا يفنى ونعيم الدنيا لا يبقى ، قال الله تعالى: المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا [ الكهف: 46]. وفي سنن ابن ماجه عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم: أن عبدا من عباد الله قال: يا رب ، لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ، فعضلت بالملكين فلم يدريا كيف يكتبانها ، فصعدا إلى السماء فقالا يا رب ، إن عبدا قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها ، قال الله - وهو أعلم بما قال عبده -: ماذا قال عبدي ؟ قالا يا رب إنه قد قال: يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك. فقال الله لهما: اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها. وحكى القرطبي عن طائفة أنهم قالوا: قول العبد: الحمد لله رب العالمين ، أفضل من قول: لا إله إلا الله ؛ لاشتمال " الحمد لله رب العالمين " على التوحيد مع الحمد ، وقال آخرون: لا إله إلا الله أفضل لأنها الفصل بين الإيمان والكفر ، وعليها يقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله كما ثبت في الحديث المتفق عليه وفي الحديث الآخر في السنن: أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
تفسير آية قوله تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ بسم الله، والحمْد لله، والصلاة والسلام على رسول الله محمّدٍ، وآلِه وصحبه ومن آمن به واهتدى بهداه... وبعد: فإنَّ قوله تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ هو الآية الأولى من كتاب الله تعالى (القرآن الكريم)، هذا على ما رجَّحناه، وإلّا فعند الشافعي - رحمه الله - أنَّ الآية الأولى هي ﴿ بسم الله الرحمن الرحيم ﴾. وحينئذٍ فالحمد لله ربِّ العالمين هي الآيةُ الثَّانية. وعلى كلا المذهبين فآياتُ الفاتحة سبعٌ لا غير، لقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴾ [الحجر:87]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «هي السَّبعُ المثاني والقرآن العظيم الذي أُوتيتُ». [الصحيح]. وبناءً على أن البسملة آيةٌ من الفاتحة، فالآية السابعة هي: ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ ﴾، وإلَّا فالآية السابعة هي: ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ * غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ ﴾. وفائدة هذا الخلاف أنَّ مَن رأى البسملة آيةً من الفاتحة وجب عليه أن يقرأها كلما قرأ الفاتحة في الصلاة، وإلا بطلت صلاته.
من رحمة الله بعباده أن فطرهم على الاعتراف بالفضل لمن أحسن إليهم وشكره ومكافأته على ذلك، هذا عند جميع الأديان، فما بالك بدين الإسلام الحنيف خير الديانات وأجلها. ولا أحد في هذا الكون أحسن إلى الناس جميعا مثلما أحسن إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأي فضل أكبر من فضله صلى الله عليه وسلم، فقد جاءنا بالقرآن العظيم، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، ومن غياهب الجهل إلى أنوار العلم، ومن ضيق الدنيا وكدرها إلى سعة الآخرة وصفائها، وعرفنا على الله عز وجل، ودلنا عليه، فهو صلى الله عليه وسلم أحق وأولى بالشكر والمكافأة. «الغني يطلع أكتر».. «الإفتاء» تفجر مفاجأة حول تقدير زكاة الفطر - التغطية الاخبارية. ولما كان صلى الله عليه وسلم المصطفى الذي اصطفاه الله على جميع الخلق، خصه تعالى بشكر خاص وهو الصلاة والتسليم عليه. قال تعالى في كتابه الكريم: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب: 56]. لذا وجب علينا الإكثار من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، لأنها من أعظم القربات إلى لله، ولهذا لا بد من معرفة معنى الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم حتى يدرك المسلم أسرار هذه العبادة الجليلة، وتؤتي ثمارها في طريق سلوكه إلى الله عز وجل.
2- عند ذكره وسماع اسمه أو كتابته: قال: { رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل عليّ} [رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب من هذا الوجه والحاكم وقال الألباني إسناده صحيح ورجاله رجال الصحيح]. 3- الإكثارمن الصلاة عليه يوم الجمعة: عن أوس بن أوس قال، قال رسول الله: { إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا عليّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليّ.. } الحديث [رواه أبو داود بإسناد صحيح وأخرجه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي]. 4- الصلاة على النبي في الرسائل وما يكتب بعد البسملة: قال القاضي عياض: ( ومن مواطن الصلاة التي مضى عليها عمل الأمة ولم تنكرها: ولم يكن في الصدر الأول، وأحدث عند ولاية بني هاشم - الدولة العباسية - فمضى عمل الناس في أقطار الأرض. ومنهم من يختم به أيضاً الكتب). معنى السلام على النبي صلى الله عليه وسلم - إسلام ويب - مركز الفتوى. 5- عند دخول المسجد وعند الخروج منه: عن فاطمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله: { إذا دخلت المسجد فقولي بسم الله الرحمن الرحيم والسلام على رسول الله اللهم صل على محمد وعلى آل محمد واغفر لنا وسهل لنا أبواب رحمتك فإذا فرغت فقولي ذلك غير أن قولي: وسهل لنا أبواب فضلك} [رواه ابن ماجه والترمذي وصححه الألباني بشواهده]. كيفية الصلاة والتسليم على النبي: قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] فالأفضل أن تقرن الصلاة والسلام سوياً استجابةً لله عز وجل فهذا هو المجزئ في صفة الصلاة عليه الصلاة والسلام.
عباد الله، ليس من العفو أن تستسلم لعدو غاصب، انتهك الحرمات، وأفسد العقائد، وأفرغ القيم، وزور التاريخ، فالمؤمنون الصادقون: {إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى: 39]. أجمل العفو أن يكون بينك وبين أرحامك وإخوانك، بين خِلانك، بين أهلك وذويك؛ لأنها دلالة على إيمانك ورفعة مكانك. معنى الصلاة والسلام على النبي مكررة. لَمَّا عَفَوْتُ وَلَمْ أحْقِدْ عَلَى أحَدٍ *** أرحتُ نفسي من همَّ العـداواتِ إنِّي أُحَيي عَدُوِّي عنْدَ رُؤْيَتِــهِ *** لأدفعَ الشَّرَّ عني بالتحيـــــــاتِ وأُظْهِرُ الْبِشرَ لِلإِنْسَانِ أُبْغِضــه *** كما إنْ قدْ حَشى قَلْبي مَحَبَّاتِ[9] [1] (تفسير القرآن العظيم) لابن كثير: (3 /336)، الناشر: دار الكتب العلمية، - بيروت، الطبعة: الأولى - 1419 هـ. [2] صحيح البخاري (1407 – 1987)، الناشر: دار ابن كثير ، اليمامة – بيروت الطبعة الثالثة ، وصحيح مسلم (56-7120)، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت. [3] (تفسير القرآن العظيم) لابن كثير: (3 /336). [4] رواه البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه في السنن الكبرى، (18276)، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنات الطبعة: الثالثة، 1424 هـ - 2003 م. [5] صحيح البخاري (3477)، وصحيح مسلم 105 - (1792).
والله عز وجل يقول: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر: 85]. ما هو الصفحُ الجميل؟ هو الصفحُ الذي لا أذية فيهِ، بل تقابل إساءة المسيءِ بالإحسان، وذنبه بالغفران، لتنال من ربك جزيلَ الأجرِ والإحسانِ والغفرانِ. معنى الصلاة والسلام على النبي ياناس صلو. إن العفو والصفح الجميل: دعامة من دعائم العلاقات الإنسانية الإسلامية، فقد أمر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال الله عز وجل: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة: 13]. عباد الله، هل نسينا ذلك الموقف العظيم حينما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة ومعه عشرة آلاف فاتح، وكان كفار قريش بما فيهم من آذى النبي صلى الله عليه وسلم: قد قدموا رقابهم للنبي صلى الله عليه وسلم، ولسان حالهم: لا مفر هذا اليوم من محمد صلى الله عليه وسلم. فالنبي صلى الله عليه وسلم كان ينظر إلى الناس، وهم يترقبون ماذا سيفعل صلى الله عليه وسلم بهم؟ وكان صلى الله عليه وسلم يريد أن يعرف ردة أفعالهم، فقال لهم حين وصل إلى الكعبة: «ما ذا تظنون أني فاعل بكم» ؟ قالوا أخ كريم وابن أخ كريم قال اذهبوا فأنتم الطلقاء)[4]. هذا هو الموقف النبيل الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم. فلذلك كان العفو والصفح الجميل، إنما هو من أخلاق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع الجموع ومع أنفسهم.
وعن أبي محمد بن عجرة قال: خرج علينا النبي فقلت: يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ فقال: { قولوا اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل ابراهيم إنك حميد مجيد} [متفق عليه]. وعن أبي حميد الساعد قال: قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ قال: { قولوا اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه كما باركت على إبراهيم، إنك حميد مجيد} [متفق عليه]. الصفح الجميل. وفي هذين الحديثين دلالة على الصفة الكاملة للصلاة على النبي. فضيلة الصلاة على النبي والسلام عليه: عن عمر قال سمعت رسول الله يقول: { إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول وصلوا عليّ فإنه من صلّى عليّ مرة واحدة صلى الله عليه عشراً ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة} [رواه مسلم]. قال: { من صلّى عليّ حين يصبح عشراً وحين يمسي عشراً أدركته شفاعتي} [أخرجه الطبراني في الكبير وحسنه الألباني]. وقال: { من صلّى عليّ واحدة صلى الله عليه بها عشراً} [رواه مسلم وأحمد والثلاثة]. وعن عبدالرحمن بن عوف قال: أتيت النبي وهو ساجد فأطال السجود قال: { أتاني جبريل وقال: من صلّى عليك صليت عليه ومن سلّم عليك سلمت عليه فسجدت شكراً لله} [رواه الحاكم وأحمد والجهضمي وقال الحاكم: صحيح ولم يخرجاه وقال الألباني: صحيح لطرقه وشواهده].