4- ينتج عن التراحم والتَّواصل بين المسلمين، وتعاطفهم فيما بينهم، وتذاكرهم أمر آل بيت المُصطفى (صلَّى الله عليه وآله)، في مجالسهم هذه، ممَّا يدلّ على أنَّهم قاموا ما أُمِرُوا به من واجبٍ مشروع عند تواصلهم وعقد مجالسهم واجتماعهم، فروي عن أبي عبدالله جعفر بن مُحَمَّدٍ الصَّادق (عليهما السَّلَام)، أنَّه قال: (اتقوا الله وكونوا إخوة بررة متحابّين في الله، متواصلين متراحمين، تزاوروا وتلاقوا وتذاكروا أمرنا واحيوه)[15].
ويؤكد الإسلام على أهمية الوقوف بجانب الإنسان المظلوم حتى يأخذ حقه، ومن قام بنصرة المظلوم وتثبيت حقه كان جزاؤه من جنس عمله حيث يثبت الله قدميه على الصراط، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مشى مع مظلوم. التراحم يقوم الترابط والاخوة بين المسلمين ويزيل الحسد والبغض - نجم العلوم. حتى يثبت له حقه ثبّت الله قدميه على الصراط يوم تزل الأقدام» رواه الأصبهاني. ـ وقيام أصحاب الجاه بأداء زكاة جاههم بإعانة المحتاجين وتفريج كرب المكروبين يجعل النعمة مستمرة عندهم أما إذا تبرموا من قضاء حوائج الناس ولم يقوموا بما يجب عليهم نقلها الله إلى غيرهم كما جاء في الحديث الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله عند أقوام نعماً أقرها عندهم ما كانوا في حوائج المسلمين ما لم يملوهم فإذا ملوهم نقلها إلى غيرهم» رواه الطبراني. بل إن الله تعالى يزيدهم نعماً على نعم عندما يشكرون الله على ما هم فيه؛ لأنه وعد الشاكرين بزيادة النعم واستمرارها «لئن شكرتم لأزيدنكم». وعلى من آتاه الله نعمة من النعم ألا ينسى المحتاجين وأصحاب الحاجات، وأن يقدم الجوانب الإنسانية والمساعدات للناس جميعاً من يعرفهم ومن لا يعرفهم، وأن يحذر استغلال النعمة في عصيان الله لأن المعصية تزيل النعمة، كما قال القائل: إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم وحافظ عليها بشكر الإله فإن الإله سريع النقم والجانب الإنساني في الإسلام يصوغ وجدان الأمة، ويعمل على توحيد صفها وجمع كلمتها.
ـ ومن أسمى ظواهر الجوانب الإنسانية في الإسلام أن يكون المسلم متضامنا مع أخيه، ساعياً لقضاء حاجته، ويخف لنجدته، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما أنه كان معتكفاً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فأتاه رجل فسلم عليه ثم جلس، فقال له ابن عباس: يا فلان أراك مكتئباً حزيناً، قال: نعم يا ابن عم رسول الله، لفلان علي حق ولاء، وحرمة صاحب هذا القبر ما أقدر عليه. قال ابن عباس رضي الله عنهما: أفلا أكلمه فيك؟ قال: إن أحببت، قال: فانتعل ابن عباس ثم خرج من المسجد، فقال له الرجل أنسيت ما كنت فيه؟ قال: لا ولكني سمعت صاحب هذا القبر ـ والعهد به قريب ـ ودمعت عيناه ـ يقول: من مشى في حاجة أخيه وبلغ فيها كان خيراً له من اعتكاف عشر سنين، ومن اعتكف يوماً ابتغاء وجه الله تعالى جعل الله بينه وبين النار ثلاثة خنادق أبعد مما بين الخافقين» رواه البيهقي، وفي رواية كل خندق أبعد مما بين الخافقين». إن ابن عباس رضي الله عنهما له فقهه العظيم الذي رأى به أن خدمة إنسان مسلم أعظم عند الله من عبادة الاعتكاف. وأن العبادة كما تكون بالاعتكاف والصلاة والصيام فإنها أيضاً تكون بقضاء حوائج الناس بل ربما كانت قضاء حوائج الناس أعظم أجراً عند الله تعالى.
فمن هذه الآيات القرآنية نفهم أنَّ الله سبحانه جعل الرحمة والمغفرة سابقة لكل شيء، وعليه لا بد من أن يكون المسلم متحلّياً بها، وذلك إنّه كيف يكون الخالق (عزَّ وجلّ)، كتب على نفسه الرَّحمة ولا يكونون عباده رحماء فيما بينهم؟. والأحاديث النَّبويَّة الشَّريفة الواردة عن النَّبيّ مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله)، وكذلك الواردة عن آل بيته الأطهار (عليهم السَّلَام)، التي تحثُنا أيضاً على التَّحلِّي بصفة الرَّحمة والتَّراحم والمسامحة والتَّواصل بين فيما بيننا، وتناسي الأخطاء التي تصدر من بعضنا اتجاه البعض الآخر، وذلك لما لهذين الأمرين من أثرٍ نفسيٍّ داخل الفرد الآخر. وأن يكون الفرد رحيماً شغوفاً، ليس فقط مع أفراد عائلته وعطفه وتوسعته عليهم، بل مع الجميع ويكون على تواصل مستمر معهم قدر الإمكان، وذلك لأنَّ للتواصل دورًا بارزًا في تقوية العلاقات الاجتماعية بين الأفراد، فروي عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): (ليس الذي يرحم نفسه وأهله خاصة، ولكن الذي يرحم المسلمين)[3]. وكذلك رُويَ عن أمير المؤمنين عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام)، أَنَّه قال: (إذا عجز عن الضَّعفاء نيلك، فلتسعهم رحمتك)[4]، وأوصى ولاته بالرحمة في الرعية إذ يقول: (وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْـمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ)[5].
وقد ذكر أهل العلم فوائد متعددة من تكنية الصغير ، ومنها: تقوية شخصيته ، وإبعاده عن الألقاب السيئة ، وأيضاً تفاؤلاً بأنه سيعيش حتى يولد له. وقد ثبتت تكنية الصغير في السنَّة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا ، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ: " أَبُو عُمَيْرٍ " – أَحْسِبُهُ فَطِيمًا – قَالَ: فَكَانَ إِذَا جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَآهُ قَالَ: ( أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ ؟) قَالَ: فَكَانَ يَلْعَبُ بِهِ. رواه البخاري ( 5850) ومسلم ( 2150). والنُّغَيْرُ: طائر صغير يشبه العصفور ، وقيل: هو البلبل. والحديث بوَّب عليه البخاري رحمه الله بقوله: " باب الكنية للصبي ، وقبل أن يولد للرجل ". قال النووي رحمه الله: " وفى هذا الحديث فوائد كثيرة جدّاً ، منها: جواز تكنية من لم يولد له ، وتكنية الطفل ، وأنه ليس كذباً " انتهى. " شرح مسلم " ( 14 / 129). وفي " الموسوعة الفقهية " ( 35 / 170 ، 171): " قال العلماء: كانوا يكنون الصبي تفاؤلاً بأنه سيعيش حتى يولد له ؛ وللأمن من التلقيب.
الأذكار " ( ص 296). 4. لا يلزم من التكنية أن تكون بأسماء الأولاد ، بل قد تكون نسبة لجماد ، أو حيوان. ومثال الجماد: كنية " أبو تراب " ، ومثال الحيوان: كنية " أبو هرّ " أو " أبو هريرة ". 5. لا يلزم من التكنية بالأسماء أن تكون نسبة لأحد أولاد صاحب الكنية. ومثاله: " أبو بكر الصدِّيق " ، وليس له من أولاده من اسمه " بكر ". 6. لا يلزم من التكنية أن تكون نسبة لأكبر أولاد صاحب الكنية ، وإن كان هو الأفضل.