تاريخ النشر: الأربعاء 25 محرم 1438 هـ - 26-10-2016 م التقييم: رقم الفتوى: 337921 7071 0 109 السؤال قال الله تعالى في القرآن الكريم أكثر من مرة: ومن أظلم ممن، مثل: ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا، ومثل: ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها، وهكذا. ألا يجب أن يكون شخص واحد هو أكثر ظلما؟ الإجابــة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد: فقد أجاب عن مثل هذا الإشكال السيوطي، في معترك الأقران في إعجاز القرآن فقال: ومما استشكل قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا). (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ). (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ). ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا اولئك يعرضون. إلى غير ذلك من الآيات. ووجهه أن المراد هنا بالاستفهام النفي، والمعنى لا أحد أظلم، فيكون خبراً. وإذا كان خبراً، وأخِذت الآيات على ظاهرها أدى إلى التناقض. وأجيب بأوجه: منها تخصيص كل موضع بمعنى صلته، أي لا أحد من المانعين أظلم ممن منع مساجد الله. ولا أحد من المفترين أظلم ممن افترى على الله. وكذا باقيها، وإذا تخصص بالصِّلات زال التناقض. ومنها: أن التخصيص بالنسبة إلى السبق، لَمّا لم يسبق أحد إلى مثله، حكم عليهم بأنهم أظلم ممن جاء بعدهم سِالكاً طريقهم، وهذا يؤول معناه إلى ما قبله؛ لأن المراد السبق إلى المانعية والافترائية.
من هؤلاء الجامعين بين الافتراء، والشرك، والتكذيب، مع وضوح الشواهد، وكثرة الدلائل الواردة أثناء هذه الآيات، مما لا يتوقف فيه مُعْتَبِر. فقد وضح تناسب هذا كله، وحُق لمرتكبه الوصف بـ (الظلم) الذي لا يفلح المتصف به، وهو ظلم (الافتراء) على الله، والشرك، والتكذيب. أما الآية الثانية من سورة الأنعام، فقد جاء قبلها ذكر الرسل عليهم السلام، وتعقيب ذكرهم بقوله: { أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} (الأنعام:90) ثم قال تعالى: { وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء} (الأنعام:91) فأعظم تعالى مُرْتَكبهم في هذا، وفي تعاميهم عن التوراة، وما تضمنته من الهدى والنور، ثم أعقب ذلك بقوله سبحانه؛ تنزيها للرسل عليهم السلام عن الافتراء على الله سبحانه، وادعاء الوحي، فصار الكلام بجملته في قوة أن لو قيل: ألا ترون ما تضمن كتاب موسى عليه السلام من الهدى، والنور، والبراهين الواضحة، وهل أحد أعظم افتراء من هذا! تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ..}. { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا، أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء} فهذا أوضح شيء. ولما لم يتقدم في الآية الأولى ذكر الأنبياء والوحي إليهم كما في هذه الآية، لم يناسبها ما ورد هنا، فجاء كلُّ على ما يجب ويناسب.
يَقُولُ تَعَالَى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَيْ: لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى الله فجعل له شُركاء أَوْ وَلَدًا، أَوِ ادَّعَى أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ إلى الناس ولم يُرسله؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ ، قَالَ عِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ: نزلت في مُسيلمة الكذَّاب. وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ أي: وَمَنِ ادَّعَى أَنَّهُ يُعَارِضُ مَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنَ الْوَحْيِ مِمَّا يَفْتَرِيهِ مِنَ القول، كقوله تَعَالَى: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا الآية [الأنفال:31]. قال الله تَعَالَى: وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ أي: في سكراته، وغمراته، وكرباته، وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أي: بالضَّرب، كقوله: لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي الآية [المائدة:28]، وقوله: يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ الآية [الممتحنة:2].
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ (68) قوله تعالى: ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أي لا أحد أظلم ممن جعل مع الله شريكا وولدا وإذا فعل فاحشة قال: وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها. أو كذب بالحق لما جاءه قال يحيى بن سلام: بالقرآن. وقال السدي: بالتوحيد وقال ابن شجرة: بمحمد صلى الله عليه وسلم. ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا او كذب. وكل قول يتناول القولين أليس في جهنم مثوى للكافرين أي مستقر. وهو استفهام تقرير.