إنَّ الاعتقادُ الجازم والإقرار بأنّ اللهَ جلَّ جلاله ربُّ كلِّ شيءٍ ومالكُه وخالقُه، ومدبِّرُ أمرِه ورازقُه، وأنّه وحدَه الذي ينفعُ ويضرُّ، ويحيي ويميت، وأنّه سبحانه وحدَه المتصرِّفُ بهـذا الكون، وما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، لا مانعَ لما أعطى، ولا معطيَ لما منعَ، بيده الخير، وإليه ترجع الأمور، وهو على كلِّ شيءٍ قدير، وليس له في ذلك أي شريك، أو نظير، هو توحيد الربوبية. إنَّ توحيد الربوبية لا يكفي وحده في حصولِ الإسلام، بل لا بدَّ أن يأتيَ العبدُ مع ذلك بلازمه من توحيد العبادة، لأنّ الله تعالى حكى عن المشركين أنّهم مقرّون بتوحيد الربوبية لله وحده، قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ*} [الزمر:38]. مما يدلُّ على اعتراف الكفّار بخالقهم، وإقرارهم به، وإنّما عبدوا من دون الله ما عبدوا ليجعلوهم وسائط وشفعاء بينهم وبين الله، ومع ذلك يتخلَّون عنهم إذا نزلت بهم الشدائد، ووقت الاضطرار، وهـذا الإقرار لم يغنِ عنهم شيئاً، ولم ينتفعوا به، إذ لم يصبحوا به مسلمين، ولم يَعْصِمْ أموالهم، ولا دماؤهم، ولا أعراضهم، لأنَّهم أنكروا توحيد الألوهية (توحيد العبادة)، وأشركوا بربهم، ولم يلتزموا بلازمٍ ما أقرّوا به، إذ إنَّ توحيد الربوبية يلزم منه توحيد الألوهية، وهو إفراد اللهِ عزّ وجلّ بجميع أنواع العبادات. "
توحيد الربوبية - YouTube
——————————————————————————————————————– مراجــع البحث: د. علي محمّد محمّد الصّلابيّ، الإيمان بالله جلّ جلاله، دار المعرفة، بيروت. لبنان، ط 1، 1432هـ – 2011م، ص (33-38). علي بن عبد الحفيظ الكيلاني، المباحث العقدية المتعلقة بالأذكار، الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1428هـ، (1/348).. د. منى عبد الله حسن داوود، منهج الدعوة إلى العقيدة في ضوء القصص القرآني، دار ابن حزم للطباعة والنشر، 1998م، ص: (29- 30). د. عبد الكريم نوفان عبيدات، الدلالة العقلية في القرآن ومكانتها في تقرير مسائل العقيدة الإسلامية، دار النفائس، عمّان، ط 1، 1420 هـ / 2000 م، ص: (294). د. محمد سليمان الأشقر، زُبدة التفسير من فتح القدير بهامش مصحف المدينة المنورة، دار النفائس الأردن / دار التدمرية الرياض، 2012، ص: (560).
٤ - ما عدا ما سبق؛ فقد اختلفوا فيه على أقوال، أشهرها ثلاثة: القول الأول: منع تتبع الرخص مطلقاً. وإليه ذهب ابن حزم، والغزالي، والنووي، والسبكي، وابن القيم، والشاطبي (٤). ونقل ابن حزم وابن عبد البر الإجماع على ذلك (٥). واختلف أصحاب هذا القول في تفسيق متتبع الرخص على رأيين: الأول: أنه يفسق، وهو رواية عن أحمد اختارها ابن القيم وغيره (٦) ، وهو رأي أبي إسحاق المروزي من الشافعية (٧). وخصّ القاضي أبو يعلى التفسيق بالمجتهد الذي أخذ بها خلافاً لما توصّل إليه اجتهاده، وبالعامي الذي أخذ بها دون تقليد (٨). الثاني: أنه لا يفسق، وهو رواية أخرى عن أحمد (٩). وقال بها ابن أبي هريرة من الشافعية (١٠). تتبع الرخص (حكمه وصوره) / وليد بن على بن عبد الله الحسين | مجلة الدراسات الإسلامية. واستدل أصحاب القول الأول بالآتي: ١ - أن الله _تعالى_ أمر بالردّ إليه وإلى رسوله، واختيار المقلّد بالهوى والتشهّي مضاد للرجوع إلى الله ورسوله (١١). ٢ - أن تتبع الرخص مؤدٍ إلى إسقاط التكليف في كل مسألة مختلف فيها؛ لأن له أن يفعل ما يشاء ويختار ما يشاء، وهو عين إسقاط التكليف، فيُمنع سداً للذريعة (١٢). ٣ - أن القول بتتبع الرخص يترتب عليه مفاسد عظيمة، منها: (١) انظر: فواتح الرحموت (٢/ ٤٠٦). (٢) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (٢٠/ ٢٢٠).
الثاني: وجودُ الدليل المرجِّح. الثالث: ألَّا يجمع رخص المذاهب كلها. الرابع: أن يكون الآخذُ قادرًا على تمييز الأدلة والترجيح بينها. ومما يشدُّ عضدي في ذلك: قول الإمام الشاطبي: "فإن ذلك يفضي إلى تتبُّع رخص المذاهب من غير استنادٍ إلى دليل شرعي، وقد حكى ابن حزم الإجماعَ على أن ذلك فسقٌ لا يحل" اهـ [12]. حكم تتبع الرخص - موقع محتويات. وقول الزَّرْكشي: "والثاني: يجوزُ، وهو الأصحُّ في (الرافعي)؛ لأن الصحابة لم يُوجبوا على العوام تعيينَ المجتهدين؛ لأن السبب - وهو أهليَّة المقلَّد للتقليد - عام بالنسبة إلى أقواله، وعدم أهليَّة المقلِّد مقتضٍ لعموم هذا الجواب، ووجوبُ الاقتصار على مفتٍ واحد بخلاف سيرة الأولين" اهـ [13]. 3- أن تلفيقَ المذاهب - وهو الأخذُ بتيسيراتها - شرَط فيه البعض أن يكون على وجهٍ لا يَخرق إجماعَهم [14]. ومثَّل له الشيخ عبدالله دراز رحمه الله بما إذا قلَّد مالكًا في عدم نقض الوضوء بالقهقهةِ في الصلاة، وأبا حنيفة في عدم النقض بمسِّ الذكر، وصلَّى، فهذه صلاة مجمع منهما على فسادها، وكمن تزوَّج بلا صداقٍ ولا وليٍّ ولا شهود [15]. وإني لا أتَّفق مع الشيخ رحمه الله على فساد تلك الصلاة؛ لضعف دليل النقض بالقهقهةِ، وقوة دليل النقض بمس الذكر.
وقال ابن حجر الهيتمي الشافعي في التحفة ( 10\112): " ويشترط أيضاً أن لا يتتبع الرخص بأن يأخذ من كل مذهب بالأسهل منه ، لإنحلال ربقة التكليف من عنقه حينئذ ومن ثمّ كان الأوجه أن يفسق به ". وفي فتاوى ابن حجر الهيتمي ( 4\305): قال ابن الصلاح: ثمّ اشتراط عدم تتبع الرخص هو المعتمد وتبعه المحقق الكمال بن الهمام من الحنفية ، وعلى الأول فهل يفسق بالتتبع ؟ وجهان... " 5. قال ابن عابدين في " العقود الدّرية " ( 2\327): "... فأمّا الذّي لم يكن من أهل الإجتهاد فانتقل من قول إلى قول من غير دليل ، لكن لمّا يرغب من غرض الدّنيا وشهوتها فهو مذموم آثم مستوجب للتأديب والتعزير لإرتكابه المنكر في الدّين واستخفافه بدينه ومذهبه ". 6. وقال فقيه المالكية الشيخ عليش في فتح العلي المالك ( 1\77): " وأمّا تتبع أخف المذاهب وأوفقها لطبع الصائر إليها والذاهب فمما لا يجوز " ، وقال في نفس الكتاب ( 1\90): " والأصح أنّه يمتنع تتبع الرخص في المذاهب بأن يأخذ منها ما هو الأهون فيما يقع من المسائل ، وقيل لا يمتنع وصرّح بعضهم بتفسيق متتبع الرخص ". 7. وقال ابن النّجار الفتوحي الحنبلي في شرح الكوكب المنير ( ص 627): " ويحرم عليه أي على العامي تتبع الرخص ، وهو أنّه كلّما وجد رخصة في مذهب عمل بها ولا يعمل بغيرها في ذلك المذهب ، ويفسق به أي بتتيع الرخص ، لأنّه لا يقول بإباحة جميع الرخص أحد من علماء المسلمين: فإنّ القائل بالرخصة في هذا المذهب لا يقول بالرخصة الأخرى التي في غيره.
إنّ المفترض بالمسلم أن يكون أبعد النّاس عن الشبهات وتتبع الرخص والأقوال الشاذة.... فما ذاق طعم الإيمان من تتبع الرخص... وما عاش سعادة التقوى من لهث وراء الأقوال الشاذة... بل وما شعر بصدق الإنتماء لهذا الدّين من بحث عن الخروج من ربقة التكليف والإلتزام!! فما أزكاك أيّها الأخ وأيتها الأخت وأنت تحتاط لدينك وتنتقي الأقوال الخالصة من الشوائب والشبهات كما تتخيّر أطايب الطعام والشراب!! وما أزكاك وأنت تدع ما يريبك خوفاً من الوقوع فيما يريبك!! وما أزكاك وأنت تقدّم المتفق عليه على المختلف فيه!! وما أزكاك وأنت تحرص على السنن والآداب الشرعية وتنأى عن الرخص والمكروهات!! هذه هي حقيقة الجيل المنشود الذي يستحق النّصر والتأيد والرفعة في الأرض والتمكين... ولعلّ الحل الأمثل والطريق الأنجع والسبيل الأقوم للخروج من بؤر وحفر الرخص والشبهات هو التزام مذهب فقهي من المذاهب الأربعة في عباداتنا وسلوكياتنا ومعاملاتنا بحيث لا نخرج عن هذا المذهب إلاّ في حالات الحرج والمشقة في دائرة المذاهب الأربعة ، حينئذ ستصبح أمتنا أقوى شكيمة وأصلب عوداً وأشدّ صلباً أمام رياح الشبهات والفتن والأفكار الملوثة والآراء الشاذة والبدع القاصمة!!