[٤] تسمية سورة الفرقان سُمّيت سورة الفُرقان بهذا الاسم؛ لِوقوع لفظ الفُرقان فيها ثلاث مرات، فقد وردت في أولها، وأوسطها، وآخرها، وأطلق المؤدبون من أهل تُونس عليها اسم تبارك الفُرقان، [٥] ويُطلق العُلماء لفظ الفُرقان على القُرآن؛ أي أن كلامه فارقٌ بين الحق والباطل، والفُرقان مصدرٌ يُطلقُ على القُرآن فصار علماً عليه، لِقولهِ -تعالى-: (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً). [٦] [٧] وجاء في سبب تسميتها بهذا الاسم؛ لأن الله -تعالى- ذكر في بدايتها الكتاب المجيد الذي أنزله على رسوله، فكان نعمة البشر الكُبرى، كما أن الله -تعالى- فرّق به بين الحق والباطل والكُفر والإيمان، فاستحق أن يُطلق عليه فُرقاناً؛ ليكون تخليداً له ولذكره، ويُثبت ذلك أن السورة تدور حول إثبات صدقه، وبيان عاقبة المُكذبين به. [٨] نزول سورة الفرقان تُعدُ سورة الفُرقان من السور المكيّة، وكان نُزولها بعد سورة يس، في السنة العاشرة من بعثة النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، فهي من السور التي نزلت بين الهجرة إلى الحبشة وبين رحلة الإسراء والمعراج ؛ وتميزت هذه الفترة بقسوة المُشركين على الإسلام والمُسلمين، فكانت من باب الإيناس للنبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، والتطمين له.
فماذا نرى في سورة الفرقان؟ إن الجو العام للسورة هو تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم، والسورة تهدف إلى تثبيت النبي وطمأنة قلبه، فتأتي آية كونية رائعة لتخدم هذا المعنى:]أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِناً[ (45)، وهي إشارة على أن من مد الظل رحمة بعباده هو قادر على أن يظلهم برحمته، ويروِّح عنهم تكذيب المكذِّبين. ففي امتداد الظل سكون واستقرار للقلوب، لركونها إلى الخالق الذي أبدع كل هذه الآيات. ليل الرحمة وبعد ذلك يقول تعالى]وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ لِبَاساً وَٱلنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُوراً[ (47). القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الفرقان. واختيار الليل هنا يلقي بظلال من السكون والرحمة، ثم يقول تعالى:]وَهُوَ ٱلَّذِى أَرْسَلَ ٱلرّيَـٰحَ بُشْرَى بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء طَهُوراً & لّنُحْيِىَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً.. [ (48 - 49). فنرى أن الآيات الكونية من رياح وأمطار تبشّر المؤمنين برحمة الله وتطهّرهم وتحيي قلوبهم، وكلها لتخفّف عنهم شدة الاستهزاء والتكذيب الذي يعانون منه. قمة التكذيب وبعد تكذيب الكفار بالنبي وبالقرآن، تصل بنا الآيات قبل الختام إلى نوع شديد من أنواع تكذيبهم: إنهم يكّذبون بالرحمن]وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً[ (60).
[١١] تناسب سورة الفرقان مع السورة التي قبلها تناسبت سورة الفُرقان مع السورة التي قبلها وهي سورة النور ، في عددٍ من المواضيع، ومنها ما يأتي: [١٢] [١٣] انتهت سورة النور بالحديث أنّ الله مالك السماوات والأرض، وبدأت سورة الفُرقان بالحديث عن تعظيم الله الذي له ملك السموات والأرض من غير ولد ولا شريك في الملك، كما ذكر الله -تعالى- في آخر سورة النور وُجوب طاعة النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، ووصفت سورة الفُرقان طريق هذه الطاعة؛ وهو القُرآن الكريم المُرشد إلى أفضل الطُرق. تحدثت سورة النور عن توحيد الألوهيّة ، وأحوال السماء والأرض، وإنزال المطر، وأحوال الحيوانات، وذكرت سورة الفُرقان بعض المخلوقات التي تدُل على التوحيد، كالظل، والليل، والرياح، والماء. فصل: (سورة الفرقان: الآيات 27- 29):|نداء الإيمان. الحديث في كلتا السورتين عن أعمال الكافرين والمُنافقين يوم القيامة، وأنها تكون باطلة. الحديث في سورة النور عن القضاء، وبدأت سورة الفُرقان بالثناء على الله الذي يكون له المُلك والفصل المُطلق. الحديث في سورة النور عن كثيرٍ من الأحكام، كحُكم الزنا، والِلعان، والاستئذان، والحجاب، ثُمّ ذكرها عن المُنافقين وما يضمرونه للمُسلمين، فكانت هذه التوجيهات والأحكام الربانيّة بمثابة الفُرقان للمؤمنين، فذكر الله -تعالى- في بداية سورة الفُرقان أنه الفُرقان الذي فَرّق الله -تعالى- به بين الحق والباطل، وبين الإيمان والكُفر، وتحذير المُسلمين من المُنافقين والتشبه بهم.
ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا) [ الفرقان: 32 ، 33]. ولهذا سماه هاهنا الفرقان; لأنه يفرق بين الحق والباطل ، والهدى والضلال ، والغي والرشاد ، والحلال والحرام. وقوله: ( على عبده): هذه صفة مدح وثناء; لأنه أضافه إلى عبوديته ، كما وصفه بها في أشرف أحواله ، وهي ليلة الإسراء ، فقال: ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا) [ الإسراء: 1] ، وكما وصفه بذلك في مقام الدعوة إليه: ( وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا) [ الجن: 19] ، وكذلك وصفه عند إنزال الكتاب عليه ونزول الملك إليه ، فقال ( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا). وقوله: ( ليكون للعالمين نذيرا) أي: إنما خصه بهذا الكتاب العظيم المبين المفصل المحكم الذي: ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) [ فصلت: 42] ، الذي جعله فرقانا عظيما - إنما خصه به ليخصه بالرسالة إلى من يستظل بالخضراء ، ويستقل على الغبراء ، كما قال - صلوات الله وسلامه عليه - " بعثت إلى الأحمر والأسود ". وقال: " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي " ، فذكر منهن: أنه " كان النبي يبعث إلى قومه خاصة ، وبعثت إلى الناس عامة " ، وقال الله تعالى: ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض [ لا إله إلا هو] يحيي ويميت) [ الأعراف: 158] أي: الذي أرسلني هو مالك السماوات والأرض ، الذي يقول للشيء كن فيكون ، وهو الذي يحيي ويميت ،
بتصرّف. ↑ وهبة الزحيلي (1418)، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج (الطبعة 2)، دمشق:دار الفكر المعاصر ، صفحة 5-6، جزء 19. بتصرّف. ↑ أحمد الغرناطي (1990)، البرهان فى تناسب سور القرآن ، المغرب:وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ـ المغرب، صفحة 260-261. بتصرّف. ↑ أحمد الشرقاوي، موقف الشوكاني في تفسيره من المناسبات ، صفحة 64. بتصرّف. ↑ مقاتل بن سليمان (1423)، تفسير مقاتل بن سليمان (الطبعة 1)، بيروت:دار إحياء التراث، صفحة 223، جزء 3. بتصرّف. ↑ محمد عزة دروزة (1383)، التفسير الحديث ، القاهرة:دار إحياء الكتب العربية، صفحة 47، جزء 3. بتصرّف.
ثم ذكر أيضًا من فضائل حسن الخلق أن أحسن الناس أخلاقًا هم أكملُ الناس إيمانًا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خلقًا))، وفي هذا دليلٌ على أن الإيمان يتفاوت، وأن الناس يختلفون فيه، فبعضهم في الإيمان أكملُ من بعضٍ بناء على الأعمال، وكلما كان الإنسان أحسن خلقًا كان أكمل إيمانًا، وهذا حثٌّ واضحٌ على أن الإنسان ينبغي له أن يكون حسَنَ الخلُقِ بقدر ما يستطيع. شرح وترجمة حديث: أكثر ما يدخل الجنة تقوى الله وحسن الخلق - موسوعة الأحاديث النبوية. قال: ((وخيارُكم خيارُكم لنسائهم)) المراد: خيركم خيركم لأهله، كما جاء ذلك في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيركم لأهلي))، فينبغي للإنسان أن يكون مع أهله خيرَ صاحب وخير محبٍّ وخير مربٍّ؛ لأن الأهل أحقُّ بحُسنِ خلقك من غيرهم. ابدأ بالأقرب فالأقرب. على العكس من ذلك حالُ بعض الناس اليوم وقبل اليوم؛ تجده مع الناس حسَنَ الخلُق، لكن مع أهله سيئ الخلُق والعياذ بالله، وهذا خلاف هديِ النبي صلى الله عليه وسلم، والصواب أن تكون مع أهلك حسَنَ الخلق ومع غيرهم أيضًا، لكن هم أولى بحُسن الخلق من غيرهم. ولهذا لما سئلت عائشة: ماذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان في مهنة أهله؛ أي: يساعدهم على مهمات البيت، حتى إنه صلى الله عليه وسلم كان يحلب الشاة لأهله، ويخصف نعله، ويرقع ثوبه، وهكذا ينبغي للإنسان مع أهله أن يكون من خير الأصحاب لهم.
شرح حديث أبي هريرة: "سئل رسول الله عن أكثر ما يدخل الناس الجنة" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثرِ ما يُدخِلُ الناسَ الجنةَ؟ قال: ((تقوى الله وحسن الخلق))، وسئل عن أكثر ما يُدخِل الناسَ النار، فقال: ((الفم والفَرْجُ))؛ رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. ♦ وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسَنُهم خلُقًا، وخياركم خياركم لنسائهم))؛ رواه الترمذي وقال: حديث حسنٌ صحيحٌ. قَالَ سَماحةُ العلَّامةِ الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: هذه الأحاديث في بيان فضل حُسن الخلق، ذكَرَها النووي رحمه الله في رياض الصالحين في باب حسن الخلق، ومنها عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: ما أكثرُ ما يُدخِلُ الجنةَ؟ يعني ما هو الشيء الذي يكون سببًا لدخول الجنة كثيرًا؟ فقال: ((تقوى الله وحسن الخلق)). اكثر ما يدخل الناس الجنة بيبي. تقوى الله تعالى، وهذه كلمة جامعة لفعل ما أمَرَ الله به وتركِ ما نهى الله عنه، هذه هي التقوى؛ أن تفعل ما أمرك الله به، وأن تدع ما نهاك عنه؛ لأن التقوى مأخوذة من الوقاية، وهي أن يتخذ الإنسان ما يقيهِ من عذاب الله، ولا شيء يقي من عذاب الله إلا فعلُ الأوامر واجتناب النواهي.
المصدر: «شرح رياض الصالحين» (3/ 566- 569)
عن معاذ ابن جبل رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «ألا أخبرك بملاك ذلك كله، قلت بلى يا نبي الله، قال: كف عليك هذا، فقلت يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به، قال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم». اقرأ أيضا: ما معنى أن النبي كان يشد مئزره في العشر الأواخر من رمضان؟! الدرر السنية. كن من المتقين فأن تكون من المتقين لهو العمل العظيم، الذي قد يراه البعض شاقًا، وإنما هو لينًا على ما عرف الله حق المعرفة، فلزم التقوى، وبالتأكيد هو صعب على من لم يعرف الله حق المعرفة، فلعل معروفًا تراه هينًا وهو عند الله عظيم، يرفع مقدارك عنده لأعلى درجة. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول صلى الله عليه وسلم: «إن رجلاً لم يعمل خيرًا قط، وكان يداين الناس، فيقول لرسوله: خذ ما تيسر، واترك ما عسر، وتجاوز، لعل الله يتجاوز عنا، فلما هلك، قال الله تعالى: هل عملت خيرًا قط؟ قال: لا، إلا أنه كان لي غلام، وكنت أداين الناس، فإذا أرسلته يتقاضى، قلت له: خذ ما تيسر، واترك ما عسر، وتجاوز، لعل الله يتجاوز عنا، قال الله: فقد تجاوزت عنك».