أيها المؤمنون: لقد دلت الأدلة الشرعية على عظيم فضل الأخوة في الله. فمن ذلك: أن الأخوة في الله هي طريقٌ لمحبة الله تعالى: فتحصيل محبة الله تعالى غايةُ قلوب الموحدين، وقد بينت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة أن محبة الله تعالى تتحصل بأمور من أهمها المحبة الإيمانية؛ بمحبة المؤمنين وحسن عشرتهم ومواساتهم وموالاتهم والتزاور بينهم. قصة عظيمة - جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لا، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ). • وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتزاورين فيَّ، والمتباذلين فيَّ). ومن فضائل الأخوة في الله: أن المتآخين في الله في ظل الله تعالى؛ ويكفى المتاحبين والمتآخين في الله شرفاً وفضلاً أن يكونوا تحت عرش الله - يوم يخاف الناس وتكون الشمس منهم مقدار ميل: روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي؟ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي).
الخطبة الأولى أما بعد: فإن هناك رابطةً بين الناس هي أعظم رابطةٍ على وجه الأرض، وهي التي تبقى إذا ذهبت بقية الروابط والصلات، سواء كان ذلك في الدنيا أم في الآخرة، إنها رابطة الأخوة في الله، وهي وإن كانت تبدأ في الدنيا فإنها تستمر في الآخرة بخلاف غيرها؛ كما قال تعالى: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67]. والأخوة في الله هي من أوثق عرى الإيمان، وقد أثبت الله رابطة الأخوة بين المؤمنين فقال: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10]، فهي رابطة عُقدت بعَقد الله لها. ويصف الله تعالى حال المؤمنين الصادقين بقوله: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ [التوبة: 71] ومعنى أولياء بعض؛ أي: يحبونهم ويناصرونهم. أيها الإخوة: ما أجمله من شعور، أن نشعر بأن كلَّ مُوحِّدٍ على وجه الأرض هو أخ لنا، له حقوق المسلم، وقد شبه الرسول صلى الله عليه وسلم الأخوة الإيمانية بالجسد الواحد فقال: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)، فرابطة الأخوة في الله هي فوقَ كلِّ الأخُوَّات الأخرى؛ فوق أخوة النسب والقبيلة والوطن وغيرها.
هذا المجتمع سيقف في وجه أشد الصعاب: فلقد صمد الصحابة في شعب أبي طالب، وأبلوا بلاً حسناً، بإيمانهم ثم بأخوّتهم الفذة، كما صمد المسلمون في المدينة أمام التحديات الداخلية – من داخل المدينة – والخارجية وجاهدوا أفضل الجهاد. واجهوا في بدر وأُحد والخندق أكبر التحديات، وكانت أكبر عدة لهم – بعد الله ثمّ إيمانهم الراسخ – هي إخوّتهم، ووحدة صفهم، وتماسكهم، فلقد ذاب كلّ واحد منهم في المجموع فتشكلت قوة واحدة منهم يصعب اختراقها بل كان النصر حليفها. كما أنّ المجتمع المتحاب أفراده سيكون من القوة بمكان ليقف في مواجهة شتى التحديات، أو على أقل الخروج بأقل الخسائر، لأنّ هذه المجموعات ستشيع هذه الروح في أُسرها، وعائلاتها، وجيرانها وأصدقائها من خلال فهمها الصحيح للإسلام، وبعملها به، فما بالنا لو كان المجتمع كلّه على هذه الدرجة العالية من الأخوّة، والحبّ في الله؟ رابعاً: على مستوى غير المسلمين: حُبنا بعضنا بعضاً وأخوتنا وروابطنا الإسلامية العظيمة تثير غيظ أعداء الإسلام مهما حاولوا إخفاء ذلك، لأنّ هذا الجانب الروحي قلّ – إن لم ينعدم – في مجتمعاتهم المادّية. وإذا رأى أعداؤنا فينا القوة والصلابة العقدية، والأخوّة الملتحمة فسيؤثر ذلك حتماً فيهم، ويضعفهم معنوياً، إذ كيف يحاربون مجتمعاً متحاباً متعاوناً على قلب رجل واحد؟ ومن جانب آخر فإنّ غير المسلمين إذا وجدوا فينا الصورة المشرّفة للإسلام ومُثله العليا فربما اتجهوا إلينا لأنّ الإسلام دين الفطرة.
◄كيف ينال الأعداء من مجتمعنا إذا كان متآخياً ومتحاباً ومتماسكاً؟ للأخوّة ثمار وآثار طيبة، وذلك على مستويات عدة: أوّلاً: على مستوى العمل الجماعي: لا شكّ في أنّ روح الفريق ستجعل من كلّ فرد شعلة نشاط يبذل كلّ ما في وسعه، ويأخذ بكلّ الوسائل لإنجاح ما يعد له: "مثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى". كما سيعمل على تنفيذ ما أُعد له هو وإخوانه وسيكونون جميعاً على قلب رجل واحد لتنفيذ ما اتفق عليه، متناسين أي خلاف قد يكون نشأ في مرحلة ما. ولا شكّ في أنّ أي صف يعمل الجميع به – قيادةً وجنوداً – بقلب رجل احد، متجردين لله ولا يرجون من إنسان جزاءً ولا شكوراً، أقدر على تحقيق أهدافه كلّها بإذن الله، فلقد حقق المسلمون الأوائل ما حققوه بعقيدتهم الراسخة وإيمانهم الوثيق بالله، ثمّ بأخوّتهم التي أرساها المصطفى (ص) حين آخى بينهم. كما تعزز الأخوّة وحدة الصف بكلّ معانيها، كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) (الصف/ 4)، فروح الأخوّة ستجعله صفاً واحداً يصعب اختراقه وتدميره. لقد ثَبَتَ العاملون في الصف الإسلامي في مواجهة المحن – بعد فضل الله – بإيمانهم الراسخ، ثمّ بالروح الأخويّة بينهم فكان الواحد منهم يضحي بحياته على أن يشي بأحد إخوانه أو يضر دعوته من قريب أو بعيد، فضربوا بذلك أروع الأمثلة على روح أخوّتهم العالية.
حديث: أعني على نفسك بكثرة السجود عن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوَضوئه وحاجته، فقال لي: ((سل))، فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال: ((أَوْ غيرَ ذلك؟! ))، قلت: هو ذاك، قال: ((فأعني على نفسك بكثرة السجود))؛ رواه مسلم [1].
جمع الصحابة الكرام ومن بعدهم بإحسان بين خوف الله والعمل، وجمعنا بين الأمن والكسل! وهذا الصحابي الجليل خير شاهد على ذلك، فإنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منزلة رفيعة، فبين له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن بلوغ الجنة لا بد له من ثمن غالٍ، فقال له: ( فأعني على نفسك بكثرة السجود).
عن أبي فراس ربيعة بن كعب الأسلمي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أهل الصفة رضي الله عنه قال: (كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فآتيه بوضوئه وحاجته فقال: سلني. شرح وترجمة حديث: عليك بكثرة السجود؛ فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة - موسوعة الأحاديث النبوية. فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة؟ فقال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك. قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود)، رواه مسلم. والمعلوم أن ربيعة بن مالك الأسلمي رضي الله عنه كان خادما لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين يخدمون النبي صلى الله عليه وسلم من الأحرار عدد منهم: ربيعة بن مالك، ومنهم ابن مسعود، ولهم الشرف بخدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من أهل الصفة وأهل الصفة هم رجال مهاجرون هاجروا إلى المدينة وليس لهم مأوى، فوطئهم النبي عليه الصلاة والسلام في صفة في المسجد النبوي، وكانوا أحيانا يبلغون الثمانين، وأحيانا دون ذلك، وكان الصحابة رضي الله عنهم يأتونهم بالطعام واللبن وغيره مما يتصدقون به عليهم. فكان ربيعة بن مالك رضي الله عنه يخدم النبي صلى الله عليه وسلم وكان يأتيه بوضوئه وحاجته، الوضوء بالفتح: الماء الذي يتوضأ به، والوضوء بالضم: فعل الوضوء، وأما الحاجة فلم يبينها، ولكن المراد كل ما يحتاجه النبي عليه الصلاة والسلام يأتي به إليه.
• من نعمة الله تبارك وتعالى أنه شرع لعبادة سننا من جنس الفرائض فالصلوات المفروضة لها تطوع: سنن، والزكاة لها تطوع: صدقة، والصيام له تطوع: صوم النافلة، والحج له تطوع كحديث: ( الجلوس حتى شروق الشمس) ، والجهاد له تطوع ( الحج جهاد لا شوكة فيه)، وذلك أن الإنسان لا يخلو من تقصير في الواجبات فجعل الله تعالى هذا التطوع جبرا لما يحصل من التقصير، ومن نعمة الله تعالى أن شرع لعباده هذا التطوع ليزدادوا عملا صالحا ولتجبر به فرائضهم فلله الحمد والمنة. • كثرة التطوع تؤهل إلى مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم فيمن يكون قريبًا منه في الجنة، أنه قال: ( أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة)، وقال: ( أقربكم مني منزلًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا)، وقال: ( أكثروا من الصلاة عليَّ يوم الجمعة... ) فهناك مميزات وأعمال تدني من تلك الدرجة الشريفة. حديث: أعني على نفسك بكثرة السجود. • الأعمال تتفاضل فطلب العلم أفضل من صلاة النافلة لأن طلب العلم من الجهاد في سبيل الله.. قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: " تذاكر ليلة أحبُّ إلى من قيامها " يعني التذاكر في العلم أحب إلي من قيامها، ولكن إذا كان الإنسان ليس أهلا لطلب العلم لعدم فهمه أو لعدم حفظه أو ما أشبه ذلك فالصلاة خير والله الموفق.
فالسجود لله تعالى من أفضل الطاعات وأجل القربات؛ لما فيه من غاية التواضع والعبودية لله تعالى، وفيه تمكين أعز أعضاء الإنسان وأعلاها وهو وجهه من التراب الذي يداس ويمتهن. ثم إن المراد بالسجود هنا ما كان تابعا للصلاة لا السجود المفرد؛ فإنه غير جائز لعدم ما يدل على مشروعيته، والأصل في العبادات التوقيف، إلا ما كان له سبب وهو سجود التلاوة أو سجود الشكر، فقد جاء الشرع بذلك. أعنِّي على نفسك بكثرة السجود. ثم بين النبي -صلى الله عليه وسلم- ماذا يحصل للإنسان من الأجر فيما إذا سجد؛ وهو أنه يحصل له فائدتان عظيمتان: الفائدة الأولى: أن الله يرفعه بها درجة، يعني منزلة عنده وفي قلوب الناس، وكذلك في عملك الصالح؛ يرفعك الله به درجة. والفائدة الثانية: يحط عنك بها خطيئة، والإنسان يحصل له الكمال بزوال ما يكره، وحصول ما يحب، فرفع الدرجات مما يحبه الإنسان، والخطايا مما يكره الإنسان، فإذا رفع له درجة وحط عنه بها خطيئة؛ فقد حصل على مطلوبه، ونجا من مرهوبه. الترجمة: الإنجليزية الفرنسية الإسبانية التركية الأوردية الإندونيسية البوسنية الروسية البنغالية الصينية الفارسية تجالوج الهندية الفيتنامية السنهالية الكردية الهوسا البرتغالية السواحيلية التاميلية عرض الترجمات
10-09-2018 # 1 { eshqk♥ khufuqi •» عضو مبـــدع من جد ~ لاحول ولاقوة الابالله عضويتيّ: 3612 تاريخ تسجيلِي: 2017 Oct مَوطني: ببينا طبعا! مُشاركاتِي: 304 نقاطِي: 4234 றởođ: мч ŝறš: أعنِّي على نفسك بكثرة السجود أعنِّي على نفسك بكثرة السجود عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: ( سَلْ) فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: ( أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ؟) قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، قَالَ: ( فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ) 1. لقد طلب النبي -صلى الله عليه وسلم- من ربيعة أن يسأله شيئاً وفتح له باب السؤال على مصراعيه، وهو سؤال موفق بإمكان الصحابي الجليل أن يسأل متاعاً من الدنيا يحصل عليه، أو وطراً يقضى له، لكن الصحابي الجليل أراد أن يسأل شيئاً عالياً رفيعاً هو الغاية العظمى، والهدف الأسمى، فسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يكون رفيقاً له في الجنة، فأرشده إلى كثرة السجود ليبلغ ذلك المنزل العظيم. إنها الهمم العلية التي بلغت بأصحابها قمم الجبال، بل بلغت بهم الهمم أن لا يكون لهم مرغوب بعد الله أعظم من الجنة، فكانوا حول ذلك يدندنون، ولأجله يعملون، ولبلوغ عليائه يتنافسون، فخلف من بعدهم خلف -إلا من رحم الله- سفلت هممهم، وقلت خيراتهم، وكثر شرهم وضررهم، واشتكت الأرض إلى ربها منهم، واغتاظ البحر من معاصيهم وفجورهم فاستأذن ربه أن يهلك كثيراً منهم فأذن له فأهلك بعضهم، وما ربك بظلام للعبيد.