الصنف: فتاوى الصلاة - الجمعة- السؤال: شخصٌ سافَرَ مِن الجزائرِ إلى الشلف، وبقي فيها ثلاثةَ أيَّامٍ، وفي اليومِ الثاني كانَتِ الجمعةُ؛ فهل له أَنْ يُصَلِّيَ الجمعةَ في المسجد أم لا؟ وجزاكم الله خيرًا. الجواب: الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد: فالمسافر إذا نَزَلَ في بلدٍ لقضاءِ حاجةٍ ولم يَنْوِ إقامةً دائمةً فلا يخرج عن كونه مُسافِرًا على أَرْجَحِ أقوال العلماء، والمسافرُ مُستثنًى مِن وجوب شهود الجمعة لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: « لَيْسَ عَلَى مُسَافِرٍ جُمُعَةٌ » ( ١) ، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا مَرِيضٌ أَوْ مُسَافِرٌ أَوِ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيُّ أَوْ مَمْلُوكٌ » ( ٢). وانتفاءُ وجوبِ الجمعة على المسافر لا يَلْزَمُ منه انتفاءُ أفضليةِ شهودها؛ فله أَنْ يُصَلِّيَ الجمعةَ في المسجد، وله ـ أيضًا ـ أَنْ يَنْوِيَها ظهرًا مقصورةً، لمن يرى جوازَ تَبايُنِ النيَّة مع اختلافِهم في الأفضلية، والأفضلُ ـ عندي ـ شهودُ الجمعةِ والجماعاتِ في المسجد ما لم يكن يَضْرِبُ في الأرضِ ويسيرُ؛ فالظهرُ قصرًا ـ جماعةً ـ أَفْضَلُ لعدمِ ثبوتِ دليلٍ عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنه صلَّى الجمعةَ في سفرِه ولا عنِ الخُلَفاءِ الراشدين مِن بَعْدِه، كما لم يُحْفَظْ عنهم تَرْكُ صلاةِ الجماعةِ في حَضَرٍ ولا سَفَرٍ ولا جهادٍ، وكلاهما معلومٌ استقراءً.
والله أعلم.
ثم الأدلة عامة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (1). إلي داخلا في النداء، من يقول إن المسافر خارج منها، مخصوص من هذا النداء، من يقول إن المسافر مخصوصٌ من قوله عليه الصلاة والسلام « من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له » (2). حكم صلاة النافلة للمسافر بعد الجمعة- فتاوى. وكذلك قوله: « أتسمع النداء، قال: أجب » (3) ولم يأت في حديث واحد صحيح عنه عليه الصلاة والسلام تخصيص المسافر، بل ظاهر الأدلة العموم، ثم قد علم أن البلد في الغالب خاصة المدينة في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، يكثر من يقدم إليها من المسافرين، ولم ينقل في قول أحد أنه استثنى عليه الصلاة والسلام أحدًا من شهود الجمعة، كانوا يقدمون جموع كثيرة، ويصلون معه، ويشهدون على الصلاة، ومثل هذا الحكم بحاجه إلى أن يذكر وأن يبين، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، فهم يسمعون كلامه سبحانه وتعالى في إجابة الجمعة، ويسمعون قوله عليه الصلاة والسلام ويخاطب ابن أم مكتوب في اللفظ الآخر عند مسلم الرجل الأعمى. « أتسمع النداء، قال: أجب » (4) ،ـ وما كان خطابًا لواحد هو خطاب للجميع، فلا نقول هذا الحكم خاص بالمسافر دون المقيم، ولهذا لما كان المسافر يقصر قال سبحانه وتعالى { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} (5).