الخطر الأكبر -بحسب التفكجي- لا يكمن فقط بضم المستوطنات وقلب الخريطة الفلسطينية بأكملها، بل بتقطيع أوصال مدن وقرى الضفة الغربية والقدس وفصلها بعضها عن بعض كأنها "كانتونات صغيرة" جميعها تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي. ويلفت خبير الخرائط والاستيطان إلى أن هذه الخرائط التي ستحاول "إسرائيل" والإدارة الأمريكية تسويقها للعالم على أنها الخريطة النهائية للدولة الفلسطينية، لكن دون أن تحدد خريطة لـ"دولة إسرائيل"؛ لأنها محكومة بالتغيرات السياسية، مشيراً إلى أنه قد تُطرح مخططات أخرى مستقبلياً وتضع الضفة بأكملها إضافة لمناطق بمصر والأردن تحت سيادة الاحتلال، لذلك لا تحرص الأخيرة على أن تكون لها خريطة محددة حتى اللحظة. وذكر أن الخرائط التي يتم الحديث عنها بضم مناطق إضافية من "أ" و"ب" و"ج"، وقد تطرح خلال الأسابيع المقبلة، تُبقي ما تبقى من الأراضي التي يسيطر عليها الفلسطينيون محاطة جميعها بالمستوطنات من كل جانب، ولا يتبقى للفلسطينيين سوى بعض المدن والقرى بمساحة لا تتجاوز الـ15-20%، وهذا يعني ضربة اقتصادية قوية بحجم الضربة السياسية التي أحدثتها "صفقة القرن"، وستصبح القرارات التي نصت على "دولة فلسطينية ذات حدود" لا قيمة لها.
قاد المهندس الجغرافيّ الفرنسيّ "ببير جاكوتين"، (1765–1827)، عمليّة رسم الخرائط لمصر وفلسطين مرافقاً القوّات في زحفها، ويروي عن ذلك قائلاً:"كانت عملية رسم الخرائط تجري أثناء مسير الجيش، كانت الدقّة في بعض الأحيان غير صحيحة، إذ كان على الجيش أن يحارب الأعداء وهجماتهم إضافةً للجوع والمرض، كان كلّ حيودٍ عن الطريق خطيراً وقد نواجَه بهجومٍ من العرب، وكان جنود المدفعيّة، وليس المسّاحون، همّ من يجرون معظم الاستطلاعات". كانت حملة نابليون سريعةً في زحفها -لم تكن أسرع من حرب العرب مع العدوّ الصهيونيّ- لكنّها كانت سريعةً على المهندسين المكلّفين بإنتاج الخرائط، فقد سيطرت القوّات الفرنسيّة على غزة في شهر شباط عام 1799، ثمّ وصلت إلى يافا في الشهر التالي، وإلى عكا في الشهر نفسه، واستمرّت في حصارها حتى العشرين من أيار، وسرعان ما انسحبت القوّات الفرنسيّة مهزومةً. استخدم "جاكوتين" البيانات التي تمّ الحصول عليها خلال الأشهر القليلة من غزو الساحل الفلسطينيّ في إنتاج خرائط بمقياس رسمٍ تفصيليٍّ (1:100, 000)، الأمر الذي أنتج "أطلساً" من 47 لوحةً لمصر وفلسطين، حظِيت فلسطين بستّ لوحاتٍ بدأت من غزة إلى عكا، وكانت خريطة عكا أكثرها تفصيلاً، وهو ما يُمكن تفسيره لطول مدّة الحصار قياساً بالزحف السريع من مصر حتّى وصول القوّات الفرنسيّة إلى عكا، ممّا مدّهم بالوقت الكافي لرصد المواقع وتفصيلها.
حيفا– غزة/ أسماء صرصور: أسماء: "من أين جاءتك الفكرة؟". عمر: "من المكتبات، وبالأخص زوايا الأطفال". رسم خريطة فلسطين. أسماء: "هل لنا بتفاصيل أكثر؟". عمر: "بالتأكيد". ضيفنا لهذا اليوم هو عمر عاصي (30 عامًا)، متزوج، وهو من قرية "كفر برا"، درس نظم معلومات جغرافية GIS في ألمانيا، ويقيم حاليًّا في حيفا لدراسة إدارة موارد بيئية وطبيعية، وحكايته التي سيرويها لـ"فلسطين" عن أول خريطة لفلسطين خاصة بالأطفال، أنجزها هو وفريق لكل عضو فيه مهمته الخاصة، والتفاصيل تتبع: في أثناء دراسة عاصي في ألمانيا، كان يزور المكتبات كثيرًا، وأكثر الزوايا التي حضرت تفاعله في هذه المكتبات هي زوايا الأطفال، والسبب أن عدم إتقانه الممتاز للغة الألمانية جعله بحاجة إلى لغة ألمانية سهلة، وهي التي تكون في كتب الأطفال، ومن هذه الزاوية رأى ما أشعل بداخله الضوء الأخضر لفكرته. ففي زاوية الجغرافيا انتبه عاصي لوجود خرائط للأطفال ليست فقط لألمانيا وحدها، بل لجميع دول العالم، وهو أمر تكرر معه ثانية عندما ذهب إلى مؤتمر فلسطينيي أوروبا في السويد، فلأن لغته السويدية ليست قوية؛ اشترى خرائط الأطفال لتكون دليله ويعرف طريقه داخل دولة السويد. هذان الموقفان طرحا سؤالًا بداخله: "لم لا توجد خريطة لأطفال فلسطين؟"، وبحث كثيرًا عن خريطة كهذه، لكنه -يا للأسف!