أجل، فالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم هي تعبيرٌ عن محبّتنا وولائنا له صلى الله عليه وسلم، والمحبّ يريد دومًا أن يتشبّه بمحبوبه، المهمّ هو التحرّك بما يتماشى مع نمط حياته صلى الله عليه وسلم، واتباع سنته السنيّة.. فإن أقمْنا حياتَنا وفق سنّته؛ أضحت أعمالُنا الاعتيادية اليومية من قيامٍ وقعودٍ وأكلٍ وشربٍ ونومٍ في حكم العبادة. السلام علي رسول الله محمد. ولذلك أعطى السلف الصالح الصلوات والتسليمات أهمية خاصّة، فحرروا حولها كتبًا، وجعلوا منها أورادًا؛ فعلى سبيل المثال دبّج "محمد بن سليمان الجزولي" كتابًا بعنوان "دلائل الخيرات"، جمع فيه أشهر الصلوات والتسليمات على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الكتاب من أشهر الكتب المقروءة لدينا، وكذلك كتاب "دلائل النور"، وهو كتاب جامع للصلوات أيضًا، كان من بين كتب الأوراد والأذكار التي يداوم عليها بديع الزمان سعيد النورسي، وكتاب "القلوب الضارعة"، وهو كتاب جامع للصلوات والأدعية المباركة.. وهكذا فإن الصلوات والتسليمات هي بمثابة منصّة انطلاق تنطلق من خلالها الأوراد والأذكار خفّاقة إلى الذات الإلهية.
سؤال: أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم وحثنا بوسائل شتى على الصلاة والسلام عليه، فكيف نفهم هذه الوصية؟ وكيف ننفذ هذا الأمر؟ الجواب: حثنا النبي صلى الله عليه وسلم -كما ورد في السؤال- على الصلاة والسلام عليه في كثير من أحاديثه المباركة، ومن ذلك قوله: "إِنَّ أَقْرَبَكُمْ مِنِّي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ أَكْثَرُكُمْ عَلَيَّ صَلَاةً فِي الدُّنْيَا" [1] ، وفي حديث آخر: "إِنَّ الْبَخِيلَ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ" [2]. وفي أحاديث أخرى يعلّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيفية الصلاة عليه؛ ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ القَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ وَالفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ؛ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ" [3]. والمقام المحمود الذي وعد الله به نبينا صلى الله عليه وسلم هو المقام الذي ورد ذكره في سورة الإسراء، يقول تعالى: ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ (سورة الإِسْرَاءِ: 17/79)، وقد ذكر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن هذا المقام هو مقام الشفاعة؛ أي إن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يحثُّنا على الصلاة والسلام عليه فإنما يريد بذلك الوسيلة التي تمكّنه من أن يمدّ يد العون إلينا وإلى جميع الإنسانية في الآخرة؛ فهو هنا لا يفكّر في نفسه، بل يفكر في أمّته وفي جميع الإنسانية، ويرجو سعادتهما.
انتهى. والله أعلم.