طريقة الراسخين في العلم هي رد المتشابه إلى المحكم، بينما طريقة الزائغين هي اتباع المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، كما قال الله تعالى (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا * وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَاب). ومن المحكمات أن الله تعالى شرع الأحكام في العبادات، وأيضا في المعاملات الدنيوية كالاقتصاد والبيع والشراء وآداب السلام والزيارة وعيادة المريض وما يصلح الراعي والرعية من أمور البيعة والجماعة والسمع والطاعة وعدم منازعة الأمر أهله... الخ، وقد وصف الله كتابه بأنه تبيان لكل شيء كما في قوله تعالى (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى? مسألة حول حديث أنتم أعلم بأمر دنياكم - إسلام ويب - مركز الفتوى. لِلْمُسْلِمِين)، لكن بعض من أراد أن يفصل الدين عن الحياة يُعرض عن تلك المحكمات، ويريد أن يُشغب عليها مستدلا بحديث لم يفهمه، وهو قوله عليه الصلاة والسلام (أنتم أعلم بأمور دنياكم)، مع أنه أصلا ليس حفياً بالاستدلال بالأحاديث النبوية، لكنه توهم أن هذا الحديث يدل على إقصاء الدين عن أحكام الدنيا، فاستدل به.
زمن القراءة ~ 6 دقيقة توسع احتجاج العلمانيين، والضُلّال من المنتسبين للعلم الشرعي، بالحديث الشريف «أنتم أعلم بأمر دنياكم» ليُخرجوا ما استطاعوا من مجالات الحياة الكبرى، السياسة والاقتصاد والنظام الاجتماعي والأخلاقي والفكري والفني والثقافي عن الخضوع لدين الله.. فكان هذا بعض الردود والبيان للأمر. كيف نفهم حديث «أنتم أعلَمُ بأمور دُنياكم»؟ | مركز سلف للبحوث والدراسات. السؤال مدى صحة الاحتجاج بقول النبي صلى الله عليه وسلم «أنتمْ أعلم بأمر دنياكمْ» في قصر مجال حاكمية الشريعة على حياة الناس وقوانين البلاد. الجواب هذه هي الشبهة الثانية، للقائلينَ بأنّ علماءَ الشريعةِ أقوالُهم في غيرِ العباداتِ ليست فتاوَى، بل آراء كأقوالِ غيرِهم؛ لأنّ ما يتعلقُ بأمورِ الدنيا هو مصالحُ ومفاسدُ، تتبعُ المصلحةَ حيثُما وُجدت، ولا تحتاجُ إلى علماء بالشريعةِ ليقولُوا فيها: هذا حلالٌ وهذا حرامٌ. قالوا: بدليلِ قولِ النبيّ صلى الله عليه وسلم لأهلِ المدينة، في مسألةِ تأبيرِ النخلِ: «أنتمْ أعلم بأمر دنياكُم» (1) ، فليس في مثلِ هذا الأمرِ مِن شؤونِ الدنيا حلالٌ وحرامٌ.
فالمصلحة بالمعنى العام ليست مِن مصادر التشريعِ، وإنما هي حكمةٌ ومقصدٌ عامٌّ مِن مقاصدِه. والمصلحةُ بالمعنَى الخاصِّ مصدرٌ مِن مصادرِ التشريعِ، وتأتي في آخرِ المصادرِ؛ كمَا تقدَّمَ، ومَدرَكُها دقيقٌ، لا يُحسنُه إلَّا أهلُ الاختصاص. أنتم أعلم بأمور دنياكم - جريدة الوطن السعودية. لأّنهم عندما يقولون: هذا الفعلُ فيه مصلحةٌ، فمعناهُ عندهم أنّه "مشتملٌ على وصفٍ مناسبٍ"، وهذا الوصفُ المناسبُ قد يكونُ "مُلائمًا"، فيكونُ مُعتبَرًا، ويُبنَى عليه الحكمُ، كأن يوجد وصفِ الإسكارِ في النبيذِ مثلا، فيُحكم عليه بالتحريمِ كالخمرِ، وقد يكونُ الوصفُ "مُرسَلًا غريبًا"، فيكونُ مُلغًى. مثال للمصلحة الملغاة وكونُ الوصفِ مُلغًى أو معتبَرًا قدْ يخفَى حتّى على العلماءِ، مِن أهلِ الاختصاصِ، فضلًا عن العامةِ، كما وقعَ لأحدِ علماءِ الأندلسِ، الذي دخلَ على عبد الرحمنِ بنِ الحكمِ أميرِ قرطبة، فسألهُ عن كفارةِ الجماعِ في نهارِ رمضانَ، فأفتاهُ بصيامِ شهرينِ، ورأَى أنّ ذلك مصلحةٌ، وقال: لو أفتيتُه بالعِتقِ لاستحقرَ العقوبةَ، ولانتهَكَ حُرمةَ الشهرِ كلَّ يومٍ؛ لأنّه يملكُ الرقابَ، ولا يزجرُهُ العتقُ. لكنّ المصلحةَ التي رآها هذا الفقيه هيَ مِن قسم المرسَلِ الغريبِ، المُلغَى بالاتفاقِ؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم جعلَ كفارةَ الصيام إمَّا على التخييرِ، كما في روايةِ مالكٍ للحديثِ، وإمَّا على الترتيبِ، التي تبدأُ بالعتقِ، كما في روايةِ غيره، والأمرُ في الاختيارِ بين واحد من الثلاثة: العتق أو الصيام أو الصدقة هو للمُكَفّر، فإلزامهُ بالصومِ مراعاةً لمصلحةِ الزجرِ في حقِّه، وإن بدَت أنّها مصلحةٌ هي مصلحةٌ مُلغاة، لمخالفتها لنص الوحي، ولذلكَ أنكرَ سائِرُ العلماءِ هذه الفتوَى على صاحبِها، وأبطلُوها.
فهل هذا صحيح؟ الإجابــة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فالحديث المذكور حديث صحيح- كما أشار السائل الكريم- ويوضحه قوله- صلى الله عليه وسلم- في صحيح مسلم أيضا:.. إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر وقال النووي في شرح مسلم باب وجوب امتثال ما قاله شرعا، دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأي.. وقد نص علماء الأصول على أن الرأي منه- صلى الله عليه وسلم- كالرأي من غيره في احتمال الغلط، والأمثلة على ذلك كثيرة في سيرته- صلى الله عليه وسلم- وبالاتفاق لا تجوز مخالفته فيما ينص عليه من أحكام الشرع. وتصنيف العلوم الدنيوية تحت هذا الحديث لا نرى مانعا منه بشرط ضبطها بالضوابط الشرعية العامة، فالمسلم العاقل هو الذي يحرص على ما ينفعه في دينه ودنياه كما أمره النبي- صلى الله عليه وسلم- بقوله: احرص على ما ينفعك.. الحديث رواه مسلم. وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 57742 ، 18640 ، 113857 ، 61047. ولا داعي لحصر العلوم في العلم الشرعي- وإن كان العلم الشرعي هو أساس العلوم وأهمها كما أشار السائل - فإن الآيات القرآنية كثيرا ما تعقب على ذكر مظاهر قدرة الله تعالى في هذا الكون: من الدواب والنبات الجبال والكواكب.. بذكر العلم والتنويه بأهله.
من هذا المنطلق يحاول تركي الحمد إلقاء الضوء على مكامن الخلل في فهم التشريع الإسلامي ومكامن الزلل في تطبيقه كل حسب منظوره وغايته مذكراً بجوهر الإسلام الذي عند فهمه في إطاره الحضاري يمكن الوصول إلى تحقيق المقولة "الإسلام صالح لكل زمان ومكان". وهدف تركي الحمد من خلال طرحه هذا الوصول إلى مفهوم الإسلام الحضاري الذي هو عبارة عن تلك المبادئ العامة والقيم الشاملة المجردة التي في حدودها تنبع "تعددية" معينة، وكلها إسلامية، مناقضة كل التناقض تلك الشمولية والأحادية وسلطة الرأي الواحد التي تقول "الأحزاب" الإسلامية، كلّ على اختلاف مشربه واختلاف إدراكه واختلاف هدفه. وهو بعد كل هذا يتساءل: أين العرب وأين المسلمون؟ أليست جاهلية تلك التي تضرب فيها البغض رقاب الآخرين؟ هل تتسع قلوبهم لعملية نقد ثقافي جذري فتُخرج من الدين ما ليس منه؟ وهل الفرصة ما تزال... متاحة؟!!. وتركي الحمد لن يستمهله جواب لابتداء عملية نقده الثقافي الجذري ليُخرج من الدين ما ليس منه على هذه الصفحات.
وهو صلى الله عليه وسلم لم ينههم عن التلقيح، لكنهم غلطوا في ظنهم أنه نهاهم، كما غلط من غلط في ظنه أن الخيط الأبيض والخيط الأسود: هو الحبل الأبيض والأسود"( [12]). وبهذا تندفع الشبهة ويُعلم أن الأصل في أقواله وأفعاله وتقريراته صلى الله عليه وسلم التشريع إلا ما استثني ببيان، كما في واقعة تأبير النخل، والحمد لله أولًا وآخرًا. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ([1]) في الموقع مقال خاص بالآية الكريمة يرد على الشبهات التي أثيرت حولها. ([2]) أي: تلقيح النخل. ([3]) ينظر: تفسير المنار (7/ 426). ([4]) رواه مسلم (2361). ([5]) قاله الشيخ المعلمي في الأنوار الكاشفة (ص: 29). ([6]) هو البسر الرديء الذي إذا يبس صار حشفًا، وقيل: أردأ البسر، وقيل: تمر رديء، وهو متقارب. ينظر: شرح النووي على صحيح مسلم (15/ 118). ([7]) رواه مسلم (2363). ([8]) رواه مسلم (2362) بلفظ: «إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي، فإنما أنا بشر».