تفسير و معنى الآية 83 من سورة يس عدة تفاسير - سورة يس: عدد الآيات 83 - - الصفحة 445 - الجزء 23. ﴿ التفسير الميسر ﴾ فتنزه الله تعالى وتقدس عن العجز والشرك، فهو المالك لكل شيء، المتصرف في شؤون خلقه بلا منازع أو ممانع، وقد ظهرت دلائل قدرته، وتمام نعمته، وإليه تُرجعون للحساب والجزاء. ﴿ تفسير الجلالين ﴾ «فسبحان الذي بيده ملكوت» مُلك زيدت الواو والتاء للمبالغة، أي القدرة على «كل شيء وإليه ترجعون» تردُّون في الآخرة. ﴿ تفسير السعدي ﴾ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وهذا دليل سادس، فإنه تعالى هو الملك المالك لكل شيء، الذي جميع ما سكن في العالم العلوي والسفلي ملك له، وعبيد مسخرون ومدبرون، يتصرف فيهم بأقداره الحكمية، وأحكامه الشرعية، وأحكامه الجزائية. إسلام ويب - التفسير الكبير - سورة يس - قوله تعالى فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون - الجزء رقم11. فإعادته إياهم بعد موتهم، لينفذ فيهم حكم الجزاء، من تمام ملكه، ولهذا قال: وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ من غير امتراء ولا شك، لتواتر البراهين القاطعة والأدلة الساطعة على ذلك. فتبارك الذي جعل في كلامه الهدى والشفاء والنور. تم تفسير سورة يس، فللّه [تعالى] الحمد كما ينبغي لجلاله، وله الثناء كما يليق بكماله، وله المجد كما تستدعيه عظمته وكبرياؤه، وصلى اللّه على محمد وآله وسلم.
قال الإمام أحمد حدثنا شريح بن النعمان حدثنا حماد عن عبدالملك بن عمير حدثني ابن عم لحذيفة عن حذيفة رضي الله عنه قال; قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقرأ السبع الطوال في سبع ركعات وكان صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال "سمع الله لمن حمده - ثم قال - الحمد لله ذي الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة" وكان ركوعه مثل قيامه وسجوده مثل ركوعه فانصرف وقد كادت تنكسر رجلاي.
ومعنى (الله أكبر) أن العمل كبير ومهم، لكن الله أكبر ونداء ربِّك أهم، أما كبير فهي اسم من أسماء الله. ومعنى كبير أن ما دونه صغير؛ لذلك أتى في الأذان بالوصف لا بالاسم. فقوله تعالى: { فَسُبْحَانَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} [يس: 83] أي: ما تراه وما لا تراه من الملك، وما خَفِي عنك، ثم توصَّلْتَ إليه بالعلم واكتشفته، والذي لا تراه من الملك إلى أنْ يخبر الله به أحد عباده: { عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ} [الجن: 26-27]. إسلام ويب - التحرير والتنوير - سورة يس - قوله تعالى فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون- الجزء رقم24. والتحقيق أن المغيبات والأسرار المطمورة في الكون لا يكتشفها الإنسان إنما تُكْشف له، وقلنا: إن كل سِرٍّ في الكون أراد الله أنْ يُظهره له عمر وميلاد، فإنْ صادف ميلادُه بحثَكَ ظهر على يديك، وإلا أظهره الله لك مصادفة في موعده إذا لم تبحث عنه؛ لذلك يقولون: إن سبعة وتسعين بالمائة من مكتشفات الحياة ظهرت لنا مصادفة. ويقول سبحانه في آية الكرسي: { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ} [البقرة: 255] فالإنسان لا يحيط إلا بعلم الشيء اليسير من علم الله، ولا يحيط بهذا اليسير إلا بعلمه تعالى وإذنه، حين يأذن بميلاد الشيء وظهوره.
الثالث: قوله: (( الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً)) فإن من جعل من هذا الأخضر البارد الرطب ناراً وهي يابسة محرقة قادر على أن يعيد الخلق لأن هذا أبلغ في القدرة أعني جعل النار من الشجر الأخضر. الرابع: خلق السماوات والأرض ، قدرته على خلق السماوات والأرض دليل على قدرته على إحياء العظام وهي رميم لأن خلق السماوات والأرض أعظم (( أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ)) [يس:81]. الخامس والسادس: (( الخلاق العليم)) والخلاق صفة لازمة له وكونه خلاقاً يشمل أن يخلق كل شيء وكونه عليماً يدل على أنه لا يخفى عليه شيء من الخلق حتى يعجز عنه. السابع: أنه لا يستعصي عليه شيء بل إذا أمر بشيء كان في الحال لقوله: (( إنما أمره إذا أراد شيئاًَ أن يقول له كن فيكون)). الثامن: تنزيه الله عز وجل عن كل نقص ومن المعلوم أن العاجز عن إعادة الخلق ناقص فإذا كان منزهاً عن كل نقص كان من الممكن أن يقع ما وعد به من إحياء العظام وهي رميم. والتاسع: أن بيده ملكوت كل شيء ومن بيده ملكوت كل شيء يعني أنه مالك لكل شيء فإنه قادر على أن يوجد المعدوم ويعدم الموجود. العاشر: قوله: (( وإليه ترجعون)) فإن هذا هو نتيجة الخلق أن يبعث الخلق ويرجعون إلى الله ليجازيهم بما عملوا.
ألاَ ترى أن سيدنا موسى - عليه السلام - غضب منه حينما خرق السفينة، وتعمد أنْ يعيبها، وهي لمساكين فقراء، هذا هو عالم الملْك الذي اطَّلع عليه العبد الصالح، أما علمه بعالم الملكوت ففي قوله: { وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} [الكهف: 79] فأطلع العبدَ الصالح على بعض عالم الملكوت، كما أطلع إبراهيم عليه السلام على ملكوت السماء. وكلمة (ملكوت) تحمل معنى المبالغة، مثل: رحموت وجبروت ورهبوت، فهي إذن للمبالغة في الملْك، لكن نلحظ عند علماء القراءات أن أحدهم يقرأ: { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ} [الفاتحة: 4] فيقول (مَلِكِ يوم الدين) بدون صيغة المبالغة، قالوا: لأن الكلام عن يوم الدين، وفي هذا اليوم الملْك كله لله وليس لأحد مُلْك، ولا حتى الثوب الذي يرتديه. ومن ذلك أيضاً قولنا في الأذان الله أكبر فذكر الصفة (أكبر) دون مبالغة، ولم يذكر الاسم (الكبير)، فكيف يتأتَّى ذلك في شعار الصلاة، التي هي عماد الدين، ونأتي بالصفة دون الاسم؟ قالوا: لأن الأذان يأخذ الناس من أعمالهم للاستجابة لنداء ربهم، والعمل له اعتباره في الإسلام؛ لأنه مهمة الإنسان في الحياة، وبه يتوصَّل إلى طاعة الله؛ لذلك يُقدِّره الدين ولا يحتقره.
وقد يكون الشيء من عالم الملكوت، ثم يصير إلى عالم المُلك مثل الأشياء التي كانت غيباً واكتشفها الإنسان أو ابتكرها، فصارت مشهودة، وهناك أشياء تظل دائماً في عالم الملكوت لا نعرف شيئاً عنها إلا في الآخرة، وهذا النوع هو الذي يُكذِّبون به، ومن ذلك قوله تعالى في شأن سيدنا إبراهيم: { وَكَذَلِكَ نُرِيۤ إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ} [الأنعام: 75]. نعم، يُطلعه الله على عالم الملكوت، لأنه لما أطلعه على عالم الملْك وابتلاه نجح في الابتلاء بتفوق، نجح في كل مراحل حياته، نجح وهو شيخ كبير في مسألة ذَبْح ولده إسماعيل، نجح لما أُلْقِي في النار؛ لذلك صار أهلاً لأنْ يُطلِعه الله على أسرار الكون، وعلى عالم الملكوت، كما لو أن في أولادك ولداً صالحاً ترى فيه مخايل النجابة، فتصطفيه بشيء تفضله به عن باقي الأولاد، كذلك مَنْ يحسن العبودية لله تعالى يحسن الله له العطاء. ومن ذلك ما قَصَّه علينا القرآن في سورة الكهف من قصة العبد الصالح الذي رافقه نبي الله موسى وتعلَّم منه، والذي قال الله فيه { فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً} [الكهف: 65] هذا العبد الصالح لم يكُنْ نبياً، ولم ينزل عليه الوحي، ومع ذلك تعلَّم منه النبي، لماذا؟ لأنه أخذ ما جاء به الرسول وطبَّقه على نفسه، فلما علم الله منه أنه مأمون على مناهج الله وعلى أسراره زاده وأعطاه من علمه اللَّدُنيِّ، وكشف له من أسرار الملكوت.