الخطبة الأولى: لقد أودع الله في الكون خلقًا فيه من بديع الصنع وعجيب الخلق ما يحير العقول ويُذهب الألباب، ما يدل على كمال حكمته وألوهيته وربوبيته، ففي الكون من الآيات والعجائب ما تجعل المتأمل يخر ساجدًا لعظمة الخالق وبديع صنعه: ( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى)، ( وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا). وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه الواحد وأعجب ما في هذا الكون من الخلائق هو هذا الإنسان، هذا المخلوق العجيب في خلقه وتركيبه وصورته وما أودع الله فيه من عجائب الصنع والخلق، ولهذا قال الله: ( وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ)، ثم أورد قائلاً: ( وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ). فهذا الإنسان الذي يضرب في الأرض، معتدل الخلقة، تام الأعضاء، عجيب الهامة، أصله نطفة كانت مغيبة في صلب الرجل وترائب المرأة، ولا يعلم بمكانها إلا خالقها ومدبّر أمرها: ( فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ).
فهو العالمُ الصغيرُ مع العالمِ الكبيرِ، مخلوقٌ مُحدَثٌ لصانعٍ واحدٍ لا إلهَ إلا هُو. قال قتادةُ في قولِه تعالى: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ قالَ: «من تفَكَّرَ في نفسِه علِمَ أنَّه خُلِقَ ليَعْبُدَ اللهَ»، وقال ابنُ الزبيرِ ومجاهدٌ: «المرادُ: سبيلُ الخلاءِ والبولِ». وقال السائبُ بنُ شريكٍ: «يأكلُ ويشربُ من مكانٍ واحدٍ ويُخْرِجُ من مكانينِ». ولو شَرِبَ لبنًا محضًا لخرجَ منه الماءُ ومنهُ الغائطُ. وقال ابنُ زيدٍ: «المعنى أنَّه خلقَكُم من ترابٍ وجعلَ لكمُ السمعَ والأبصارَ والأفئدةَ ﴿ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾ [الروم:20]. وقال السدِّيُّ: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ﴾ أي: «في حياتِكُم وموتِكم وفيما يدخلُ ويخرجُ من طعامِكم». وقال الحسنُ: «في الهرمِ بعدَ الشبابِ، والضعفِ بعدَ القوَّةِ، والشيبِ بعدَ السوادِ». تحميل كتاب وفي أنفسكم أفلا تبصرون pdf - مكتبة نور. وقيلَ المعنى: وفي خلقِ أنفسِكم من نطفةٍ وعلقةٍ ومُضْغةٍ ولحمٍ وعظمٍ إلى نفخِ الروحِ، وفي اختلافِ الألسنةِ والألوانِ والصورِ إلى غيرِ ذلكَ من الآياتِ الباطنةِ والظاهرةِ، وحسبُكَ بالقلوبِ وما ركَزَ فيها من العقولِ، وما خُصَّت به من أنواعِ المعاني والفنونِ، وبالألسنِ والنطقِ ومخارجِ الحروفِ، والأبصارِ والأطرافِ، وسائرِ الجوارحِ، وتأتيها لما خُلقتْ له، وما سوَّى في الأعضاءِ من المفاصلِ للانعطافِ والتثَنِّي ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون:14] وقوله: ﴿أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ يعني بَصَرَ القلبِ، ليعرِفُوا كمال قدرة الخالق.
وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ يا لها من مكتبة عظيمة النفع ونتمنى استمرارها أدعمنا بالتبرع بمبلغ بسيط لنتمكن من تغطية التكاليف والاستمرار أضف مراجعة على "وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ" أضف اقتباس من "وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ" المؤلف: هادي هلال الأقتباس هو النقل الحرفي من المصدر ولا يزيد عن عشرة أسطر قيِّم "وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ" بلّغ عن الكتاب البلاغ تفاصيل البلاغ جاري الإعداد...
الخطبة الأولى: الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، وجعل وجوده من الأدلة على موجده ومصوره العليم. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يخلق ما يشاء ويختار، ويصور خلقه في الأرحام كيف يشاء بأسباب قدرها، وحكم دبرها، أعطى الذكر الذكورية والأنثى الأنوثية، والماء واحد، والجوهر واحد، والوعاء واحد، واللقاح واحد: ( الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[آل عِمرَان: 6]. تحميل كتاب وفي انفسكم افلا تبصرون pdf. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أخبر عن المرسوم الإلهي الذي يلقيه إلى ملك التصوير، حين يقول: "يا رب أذَكَر، أم أُنثى، شقي، أم سعيد، فما الرزق، فما الأجل؟" فيوحي ربك ما يشاء، ويكتب الملك الكريم. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فقد قال الله -تعالى-: ( وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)[الذّاريَات: 21]. عباد الله: لما كان أقرب الأشياء إلى الإنسان نفسُه دعاه خالقه وبارئه، ومصوره وفاطره، من قطرة ماءٍ، إلى التبصر والتفكر في نفسه، فإذا تفكر في نفسه استنارت له آيات الربوبية، وسطعت له أنوار اليقين، واضمحلت عنه غمرات الشك والريب، وانقشعت عنه ظلمات الجهل.