القول في تأويل قوله: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلا﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: وما يموت محمد ولا غيره من خلق الله إلا بعد بلوغ أجله الذي جعله الله غاية لحياته وبقائه، فإذا بلغ ذلك من الأجل الذي كتبه الله له، وأذن له بالموت، فحينئذ يموت. فأما قبل ذلك، فلن يموت بكيد كائد ولا بحيلة محتال، كما:- ٧٩٥٤- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق:"وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابًا مؤجلا"، أي: أن لمحمد أجلا هو بالغه، إذا أذن الله له في ذلك كان. [[الأثر: ٧٩٥٤- سيرة ابن هشام ٣: ١١٨، وهو تتمة الآثار التي آخرها: ٧٩٤٠. ]] * * * وقد قيل إنّ معنى ذلك: وما كانت نفسٌ لتموت إلا بإذن الله. [[هو أبو عبيدة في مجاز القرآن ١: ١٠٤. ]] وقد اختلف أهل العربية في معنى الناصب قوله:"كتابًا مؤجلا". فقال بعض نحويي البصرة: هو توكيد، ونصبه على:"كتب الله كتابًا مؤجلا". قال: وكذلك كل شيء في القرآن من قوله: ﴿حَقًّا﴾ إنما هو: أحِقُّ ذلك حقًّا". وكذلك: ﴿وَعَدَ اللَّهُ﴾ ﴿ورَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ﴾ ، ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ ﴿وكِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ ، [[هذه مواضع الآيات من كتاب الله على الترتيب: [سورة النساء: ١٢٢ / سورة يونس: ٤ / سورة لقمان: ٩] / [سورة الكهف: ٨٢ / سورة القصص: ٤٦ / سورة الدخان: ٦] / [سورة النمل: ٨٨] / [سورة النساء: ٢٤]. (155) قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ...} الآية 145 - الموقع الرسمي للشيخ أ. د. خالد السبت. ]]
فعش عزيزًا لا تخش في الله لائمةً، ولا ترض بالذُّلِ ما حييتَ سبيلًا.
بالتأكيد هناك حالات نادرة لأشخاص سقطوا من الطائرات وظلوا على قيد الحياة". وقد سارع الأطباء بعد الوصول إلى موقع الحادث والتأكد من أن السيدس على قيد الحياة، بإعطائه 24 وحدة من الدم والعديد من وحدات البلازما لإنقاذه، وبعد ذلك أجروا له تسع عمليات جراحية لجمع أوصال جسده. لكن الأطباء يقولون إن بوسعه الآن تحريك جميع أعضائه وبوسعه الكلام أيضاً. وما كان لنفس ان تموت الا باذن الله. أما الأطباء المعالجون فهم متفائلون للغاية ببقائه على قيد الحياة. تخيلوا معي هذا البناء الشاهق! هل يمكن لإنسان أن ينجو من على هذا الارتفاع؟ ولكنها قدرة الله تعالى، ومثل هذه الحوادث يجب أن تذكرنا بالله وبأن الإنسان لا يمكن أن يموت إلا بإذن الله، وكل إنسان له أجل محدد كُتب عليه منذ أن كان في بطن أمه! الاحتياطات لا تنفع مع قضاء الله بالمقابل نجد أن رواد الفضاء على الرغم من الاحتياطات الكبيرة التي يأخذونها إلا أن مهمتهم تفشل أحياناً كما حدث مع مركبة فضاء كولومبيا عام 2003، فقد قالت إدارة الطيران والفضاء الأمريكية ناسا في تقرير لها إن رواد طاقم المكوك كولومبيا كانوا يحاولون السيطرة عليه قبل انفجاره عام 2003 لكن لم تكن أمامهم فرصة للنجاة من الحادث. وقد كان حادث انفجار المركبة بمثابة كارثة لدرجة أن رواد الفضاء لم يتمكنوا حتى من إغلاق الفتحة الموجودة في خوذاتهم التي تسمح لهم بالرؤية.
وكذلك يتوقى العِلل والأوصاب، وإن نزل به شيء من ذلك يتداوى، وهذا التداوي مشروع قد يكون واجبًا، وقد يكون مستحبًا، وقد يكون مُباحًا، وقد يكون محرمًا إذا كان بمحرم، فهنا وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ ، أي: أي نفس، أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً.
لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا..... ﴾ [آل عمران: 145]. تأملْ قولَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا ﴾، وانظر إلى حال كثير من الناس، كيف يفعل القبائح، ويرتكب المآثم، ويرضي بعض العباد بسخط رب العبادِ، خوفًا من قطع الرزق أو القتل! نعم لا يجوز للمسلم أن يعرض نفسه للتلف، ولا يسعى بقدمه إلى حتفه، ولكن شتان بين من يثبت على طاعة مولاه، حتى يجري عليه قدر الله، وبين من يعصي ربه فرارًا من قدره. وآجال العباد مصائر محتومةٌ، وأقدارٌ مقدرةٌ، فلا مقدم لما أخره الله ولا مؤخر لما قدمه. وما كان لنفس ان تموت الا باذن الله بن الفيم. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [الأعراف: 34]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا ﴾ [فاطر: 45].
فهنا وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً ، وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ ، هذا يفيد الامتناع أن ذلك لا يكون بحال من الأحوال، ولا يقع إلا بإذن الله، يعني: الإذن الكوني، إلا بقضائه وقدره، كِتَابًا مُّؤَجَّلاً لا بد أن يستوفي المدة التي قدرها الله له كِتَابًا مُّؤَجَّلاً. ثم قال: وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا يطلب هذا الحُطام، ويريد بعمله الدنيا، فمن أجلها يعمل، ومن أجلها يسعى، ومن أجلها يكدح، ومن أجلها يغدوا ويروح نُؤْتِهِ مِنْهَا نعطيه ما قسمناه له من الرزق، ولا حظ له في الآخرة، ومن يطلب بعمله الجزاء من الله الدار الآخرة وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا ، يُعطى من ذلك الأجر والثواب، والمنازل العالية في الجنة، وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِين الذين وحدوا الله وأطاعوه، وأرادوا ما عنده من الأجر والثواب والمنازل العالية في الجنة.