تختلف مظاهر الاحتفال بعيد الغدير الأغر في العالم المعاصر، من مكان إلى أخر ومن بلد إلى أخرى، بحسب التباين في حجم وتأثير الوجود الشيعي وبحسب الظروف السياسية القائمة في كل مجتمع. في إيران، والتي تعتبر الدولة الشيعية الأقوى حالياً، تُمارس طقوس الاحتفال بالعيد بمنتهى الحرية وسط تشجيع وتحفيز من السلطات القائمة، حيث تتم زيارة المقامات والعتبات المقدسة، وتُؤدى بعض المشاهد التمثيلية في المسارح العامة والشوارع، والتي تُظهر كيفية مبايعة علي بن أبي طالب في غدير خم، كما أنه من المعتاد أن يجتمع الأهل والأصحاب والمعارف عند أحد السادة، المنحدرين من نسل الرسول، حيث يتم قراءة القرآن وتقديم الحلوى والأطعمة. عيد الغدير عند الشيعة لطميات. أما في العراق، التي يُمثل الشيعة فيها ما يزيد عن 60% من مواطنيها، فإن الكثير من الشيعة يحتفلون بالعيد من خلال زيارة مدينة النجف الأشرف، وتوزيع الزهور والورود التي يحملونها لضريح الإمام الأول، كما أنه من الأعمال الدينية المستحبة في هذا اليوم، الصوم وقراءة دعاء الندبة. أما في لبنان، فيقتصر الاحتفال بعيد الغدير على نسبة صغيرة من الشيعة، وأغلبهم من ذوي الميول السياسية ومن المؤيدين لحزب الله ولنظام الولي الفقيه في طهران.
وهذا ما صرّحت به الآية المباركة من سورة المائدة، وهي قوله تعالى﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي﴾ فهذه إشارة إلى أنّ هذه النعمة هي نعمة الإسلام ونعمة الهداية ونعمة إرشاد العالمين جميعاً إلى الصراط المستقيم. وهذا ما لا يمكن أن يتم بلا خارطة للطريق بعد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا أمر طبيعي. وهذا هو عين ما فعله النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في الغدير، حيث نصَّب للولاية خليفة ممتاز لا نظير له وهو أمير المؤمنين(عليه السلام)؛ لِمْا كان يتمتع به من شخصية إيمانية فريدة, وأخلاق سامية حميدة, وروح ثورية وعسكرية متميّزة, وسلوك راقٍ مع جميع الناس، وقد بايعه المسلمون على الولاية بأمر من نبيّهم(صلى الله عليه وآله وسلم). ولم يكن هذا من عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل كان هداية ربّانية, وأمراً إلهياً, وتنصيباً من الله تعالى, كما هو شأن كافة أقوال وأفعال الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) التي كانت وحياً إلهياً، وهو الذي لا ينطق عن الهوى. لقد كان هذا أمراً إلهياً صريحاً للرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) فقام بتنفيذه وإطاعته. التغطية المصورة: لبرنامج القراءة الجماعية(ربيع القلوب) اليوم الجمعة الموافق 22-0... - كرزكانـ.ـكم. وهذه هي قضية الغدير، أي بيان جامعية الإسلام وشموليته, والتطلّع إلى المستقبل؛ وذلك الأمر الذي لا تتمّ هداية الأمة الإسلامية وزعامتها إلاّ به»(4).
إن معنى هذه الحادثة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة في السنة الهجرية العاشرة أن الإسلام يدرك أهمية مسألة إدارة المجتمع, فلم يهملها أو يتعامل معها ببرود، والسبب في ذلك أن إدارة المجتمع في أكثر مسائله تأثيراً، وان تعيين أمير المؤمنين الذي هو تجسيد للتقوى والعلم والشجاعة والتضحية والعدل من بين أصحاب النبي يثبت أبعاد هذه الإدارة، وبذلك يتضح أن هذه الأمور هي التي يجب توفرها في إدارة المجتمع»(2). سمات الحاكم «إن الإمام المعصوم إنسان رفيع؛ قلبه من الناحية الدينية يمثل مرآة مضيئة لأنوار الهداية الإلهية، وروحه تتصل بمنهل الوحي، خالصة هدايته؛ ومن ناحية الأخلاق الإنسانية فإن سيرته وأخلاقه ممزوجتان بالفضيلة، لا سبيل للأهواء النفسية إليه؛ لا تغلبه المعصية، ولا يغلِّب الشهوات والنزوات على نفسه؛ ولا يبعده الغضب والسخط عن صراط الله. أما سياسياً، فله رؤية ثاقبة بنحو يرقب بعينة الفاحصة أخفى التحركات وأدق الأحداث في حياة المجتمع، وكما يقول أمير المؤمنين: "والله لا أكون كالضبع تنام على طول اللدم"؛ مقدام ذو قوة روحية ومعنوية في مواجهة عواصف الحياة والوقائع التي ليست على دينه، فيردد لأجلها "فلو أن امرأً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان به عندي جديراً".