ثم قلت: يا رباح ، استأذن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنظر رباح إلى الغرفة ثم نظر إلي فلم يقل شيئا. ثم رفعت صوتي فقلت: يا رباح ، استأذن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإني أظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظن أني [ ص: 176] جئت من أجل حفصة ، والله لئن أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب عنقها لأضربن عنقها ، ورفعت صوتي فأومأ إلي أن ارقه; فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على حصير ، فجلست فأدنى عليه إزاره وليس عليه غيره; وإذا الحصير قد أثر في جنبه ، فنظرت ببصري في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع ، ومثلها قرظا في ناحية الغرفة; وإذا أفيق معلق - قال - فابتدرت عيناي. قال: " ما يبكيك يا ابن الخطاب ؟ " قلت: يا نبي الله ، ومالي لا أبكي وهذا الحصير قد أثر في جنبك ، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى! وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفوته ، وهذه خزانتك! إسلام ويب - تفسير القرطبي - سورة التحريم - قوله تعالى إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما - الجزء رقم18. فقال: " يا ابن الخطاب ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا ". قلت: بلى. قال: ودخلت عليه حين دخلت وأنا أرى في وجهه الغضب ، فقلت: يا رسول الله ، ما يشق عليك من شأن النساء; فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل ، وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك.
وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال: مكثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له ، حتى خرج حاجا فخرجت معه ، فلما رجع فكنا ببعض الطريق عدل إلى الأراك لحاجة له ، فوقفت حتى فرغ ، ثم سرت معه فقلت: يا أمير المؤمنين ، من اللتان تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه ؟ فقال: تلك حفصة وعائشة. قال: فقلت له: والله إن كنت لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنة فما أستطيع هيبة لك. قال: فلا [ ص: 175] تفعل ، ما ظننت أن عندي من علم فسلني عنه ، فإن كنت أعلمه أخبرتك... وذكر الحديث. فإن الله هو مولاه أي وليه وناصره ، فلا يضره ذلك التظاهر منهما. وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير قال عكرمة وسعيد بن جبير: أبو بكر وعمر ، لأنهما أبوا عائشة وحفصة ، وقد كانا عونا له عليهما. {إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قلُوبُكُمَا ۖ وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ - التحريم 4 } - مركز القلم للأبحاث والدراسات. وقيل: صالح المؤمنين علي رضي الله عنه. وقيل: خيار المؤمنين. وصالح: اسم جنس كقوله تعالى: والعصر إن الإنسان لفي خسر ، قاله الطبري. وقيل: صالح المؤمنين هم الأنبياء ، قاله العلاء بن زيادة وقتادة وسفيان. وقال ابن زيد: هم الملائكة. السدي: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: صالح المؤمنين ليس لفظ الواحد وإنما هو صالحو المؤمنين: فأضاف الصالحين إلى المؤمنين ، وكتب بغير واو على اللفظ لأن لفظ الواحد والجمع واحد فيه.
فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر; وأنزل الله آية التخيير. قوله تعالى: وجبريل فيه لغات تقدمت في سورة " البقرة ". ويجوز أن يكون معطوفا على " مولاه " والمعنى: الله وليه وجبريل وليه; فلا يوقف على مولاه ويوقف على [ ص: 177] جبريل ويكون " وصالح المؤمنين " مبتدأ والملائكة معطوفا عليه. و " ظهير " خبرا; وهو بمعنى الجمع. وصالح المؤمنين أبو بكر; قاله المسيب بن شريك. وقال سعيد بن جبير: عمر. وقال عكرمة: أبو بكر وعمر. وروى شقيق عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى: فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين قال: إن صالح المؤمنين أبو بكر وعمر. وقيل: هو علي. عن أسماء بنت عميس قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: وصالح المؤمنين علي بن أبي طالب. وقيل غير هذا مما تقدم القول فيه. ويجوز أن يكون وجبريل مبتدأ وما بعده معطوفا عليه. والخبر ظهير وهو بمعنى الجمع أيضا. فيوقف على هذا على مولاه. ويجوز أن يكون جبريل وصالح المؤمنين معطوفا على مولاه فيوقف على المؤمنين ويكون والملائكة بعد ذلك ظهير ابتداء وخبرا. ومعنى " ظهير " أعوان. وهو بمعنى ظهراء; كقوله تعالى: وحسن أولئك رفيقا. وقال أبو علي: قد جاء فعيل للكثرة كقوله تعالى: ولا يسأل حميم حميما يبصرونهم وقيل: كان التظاهر منهما في التحكم على النبي صلى الله عليه وسلم في النفقة ، ولهذا آلى منهن شهرا واعتزلهن.
وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله قال: دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد الناس جلوسا ببابه لم يؤذن لأحد منهم ، قال: فأذن لأبي بكر فدخل ، ثم أقبل عمر فاستأذن فأذن له ، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم جالسا حوله نساؤه واجما ساكتا - قال - فقال: لأقولن شيئا أضحك النبي صلى الله عليه وسلم; فقال: يا رسول الله ، لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها; فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " هن حولي كما ترى يسألنني النفقة ". فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها ، وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها; كلاهما يقول: تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده! فقلن: والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا أبدا ليس عنده. ثم اعتزلهن شهرا أو تسعا وعشرين. ثم نزلت عليه هذه الآية: يا أيها النبي قل لأزواجك حتى بلغ للمحسنات منكن أجرا عظيما الحديث. وقد ذكراه في سورة " الأحزاب ". [ ص: 178]