وفي هذا الإنكار والتعجيب وكلمة الظن ، ووصف اليوم بالعظيم ، وقيام الناس فيه لله خاضعين ، ووصف ذاته برب العالمين بيان بليغ لعظم الذنب ، وتفاقم الإثم في التطفيف ، وفيما كان في مثل حاله من الحيف ، وترك القيام بالقسط ، والعمل على التسوية والعدل في كل أخذ وإعطاء ، بل في كل قول وعمل. الثالثة: قرأ ابن عمر: ويل للمطففين حتى بلغ يوم يقوم الناس لرب العالمين فبكى حتى سقط ، وامتنع من قراءة ما بعده ، ثم قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " يوم يقوم الناس لرب العالمين ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، فمنهم من يبلغ العرق كعبيه ، ومنهم من يبلغ ركبتيه ، ومنهم من يبلغ حقويه ، ومنهم من يبلغ صدره ، ومنهم من يبلغ أذنيه ، حتى إن أحدهم ليغيب في رشحه كما يغيب الضفدع ". أرشيف الإسلام - شرح وتخريج حديث (: يوم يقوم الناس لرب العالمين ، قال : يقوم ... ) من صحيح مسلم. وروى ناس عن ابن عباس قال: يقومون [ ص: 219] مقدار ثلاثمائة سنة. قال: ويهون على المؤمنين قدر صلاتهم الفريضة. وروي عن عبد الله بن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " يقومون ألف عام في الظلة ". وروى مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " يوم يقوم الناس لرب العالمين حتى إن أحدهم ليقوم في رشحه إلى أنصاف أذنيه ".
وفي هذا اليومِ يُحشَرُ النَّاسُ مِن قُبورِهم إلى أرضِ المَحشَرِ، فيُجْمَعون في صَعيدٍ واحدٍ؛ لانتِظارِ مُحاسبتِهم في يومٍ عظيمٍ، ويتعَرَّقون، قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «حتَّى يَغيبَ أحدُهم في رَشْحِه»، أي: عَرَقِه، حتَّى يَصِل العَرَقُ إلى أنصافِ أُذُنَيه. وقدْ جاء في صَحيحِ مُسلمٍ أنَّ الشَّمسَ يومَ القيامةِ تَدْنو مِن الخَلقِ، حتَّى تكونَ منهم كمِقدارِ مِيلٍ، فيكونَ النَّاسُ على قدْرِ أعمالِهم في العَرقِ؛ فمِنهم مَن يكونُ إلى كَعْبَيهِ، ومِنهم مَن يكونُ إلى حَقْويهِ، ومِنهم مَن يُلْجِمُه العَرَقُ إلجامًا.
وصف الله ذلك اليوم في كتابه المبين بأنه: ﴿ كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ﴾ [الإنسان: 7] ، وكان: ﴿ يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ﴾ [الإنسان: 10] ، ﴿ يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا ﴾ [الطور: 9، 10]، ﴿ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ [الأنبياء: 104]. الأرض تُزلزل وتتبدَّل: ﴿ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ ﴾ [الزلزلة: 4 - 6] ، ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ ﴾ [إبراهيم: 48 - 50]. ذلك اليوم: ﴿ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا * يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا * نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا * وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا * يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ﴾ [طه: 102 - 108].
إلى كل من ظن نفسه بلغ مبلغا من التحصيل، يقرأ هذا الكتاب: صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل لتريه النماذج فيه مكانه الحقيقي بجانب هؤلاء العظماء ودنو همته وتقصيره مقارنة بهم. كتب مراجعة كتاب صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل: رحمة الصايغ تحميل كتاب صفحات من صبر العلماء pdf كلما ضعفت نفس الطالب وهمته عن التحصيل والقراءة قرأت فيه مرة بعد مرة، فيجده خير معين له؛ لما فيه من أخبار وأحوال تحزن على ما فات مقارنة بهم، فيدفع في طالب العلم الطاقات والنهم نحو القراءة ويرفع همته من أجل اللحقا ببعض ركبهم. صورة غلاف كتا صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل PDF للكاتب عبد الفتاح أبوغدة أهمية الكتاب وكما قال الأمام أبو حنيفة رضي الله عنه: الحكاياتُ عن العلماءِ ومحاسنِهم أحبُّ إليَّ من كثيرٍ من الفقه، لأنها آدابُ القوم. فيه من سير أهل العلم وما واجهوه من مشاق وصعاب في طريق التحصيل والطلب. النظر في أحوالهم قديما، كيف كانوا يقطعون القوافي مشيا على الأقدام يلازمون.. يسمعون.. يبذلون.. تشعرك بالخجل من نفسك.. هم بذلوا كل جهد تعبوا وضنوا وحرموا أنفسهم من أجل العلم، علموا أنه "لا يستطاع العلم براحة الجسد" فذكرهم الدهر وكانوا فقراء معوزين لا جاه لهم ولا مال ولكن رفعتهم المعرفة على وجهه الدهور.
1 مقدمة: ما أحوج الأمة اليوم إلى نماذج تقتفي آثارها في طلب العلم والصبر عليه، وضرب أكباد الإبل في تحصيله والتحلّي به، بل ما أحوجنا اليوم ـ في زمن شطّت بنا أدحنة الجهل والضلال فيه ذات اليمين وذات الشمال ـ إلى من يستنهض الهمم ويشحذ الخواطر، عسى أن تعود الأمة سيرتها الأولى وتتلو آثار علمائها وصلحائها قصد تحقيق النهضة المنشودة. ومن ثَمَّ جاء هذا السفر النفيس ( صفحات من صبر العلماء) بنماذج رائعة ومن علماء وصلحاء صبروا على الشدائد في طلب العلم، فكان أن صاروا مصابيح وأسرجة يستضاء بها، ونجوما يهتدى بها في ظلمات الجهل والضلال. إننا في الحقيقة أمام كتاب غير عادي، أمام سفر يستحيل نبراسا لطالب العلم، وفانوسا يؤنس وحشة التعلّم، ومرشدا يهدي إلى صراط العزيز العليم. فكانت هذه الورقة نزهة في هذا الكتاب قصد التعريف به أو على الأقل يأخذ عنه القارئ الكريم الذي لا يجد وقتا لقراءته كاملا، فكرة عامة قصد وضعه ضمن لائحة الكتب التي ينوي قراءتها، أما إن كنت قد قرأته فهنيئا لك أخي، فهذه الورقة هي لك أيضا عسى أن تذكّرك به أو تحثك على إعادة مطالعته. ولا أزعم أني أحطت بكل جوانبه، وإنما هي محاولة من طويلب علم لا زال فالطريق، فإن أصاب فهو توفيق من الله، وإن أخطأ فإنه ما أخطأ سبيل حسن النية، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
كتب مسموعة:: ٠١ صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل لعبد الفتاح أبو غدة (١٣٣٦ه_١٤١٧ه) - YouTube
4 أسلوب ولغة الكتاب: يطغى على الكتاب أسلوب الخبر، ونادرا ما نصادف الأسلوب الإنشائي، وهذا راجع إلى كون الكتاب عبارة عن حكايات وأخبار، وما كان هذا شأنه فهو يصاغ بأسلوب الخبر لا الإنشاء. لكن رغم أنّ الأسلوبَ خبريٌ، إلا أن المراد منه الإنشاء، فهو عندما يورد قصة من القصص، أو حكاية من الحكايات، إنما يقول لك ضمنيا: كن مثله، أو اقتد به أو سر على نهجه واقتف أثره … أما اللغة فهي أحيانا جزلة قوية تحاكي لغة الرعيل الأول من التابعين وتابعيهم، وأحيانا سهلة واضحة لا تحتاج لبيان، وعلى العموم يمكن القول إن لغته مستساغة عذبة ترتاح لها الآذان وتتشقق لها أكمام البيان. 5 ما في هذا الكتاب: في الكتاب كثير من أخبار علمائنا المتقدمين ووقائعهم والشدائد التي عانوها أيام التحصيل والطلب، أو خلال حياتهم العلمية المملوءة بالخشونة والتقشف، والعقبات والمتاعب، التي احتوت واشتملت على دروس صامتة لكن عظيمة، وجب أن يطلع عليها الجيل الناشئ والشباب المثقف، قصد إدراك كيفية طلب العلم والصبر عليه، وإيجاد القدوة الحسنة والأسوة الرائعة التي ينبغي لطالب العلم التأسي بها والسير على دربها. وقد قسّم أبو غدة سفره هذا إلى ستة جوانب من حياة العلماء: الجانب الأول: أخبارهم في التعب والنصب والرحلة في طلب العلم.