كرر ذلك الرجل المؤمن دعاءهم إلى الله وصرح بإيمانه، ولم يسلك المسالك المتقدمة من إيهامه لهم أنه منهم، وأنه إنما يتصدى التذكير كراهة أن يصيبهم بعض ما توعدهم به موسى كما يقوله الرجل المحب لقومه من التحذير عن الوقوع فيما يخاف عليهم الوقوع فيه فقال: 41- " ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار " أي أخبروني عنكم كيف هذه الحال: أدعوكم إلى النجاة من النار ودخول الجنة بالإيمان بالله وإجابة رسله، وتدعونني إلى النار بما تريدونه مني من الشرك. قيل معنى " ما لي أدعوكم " ما لكم أدعوكم كما تقول: مالي أراك حزيناً أي مالك. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة غافر - الآية 50. 41. " ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة "، يعني: مالكم، كما تقول: مالي أراك حزيناً؟ أي: مالك؟ يقول: أخبروني عنكم؟ كيف هذه الحال أدعوكم إلى النجاة من النار بالإيمان بالله، " وتدعونني إلى النار "؟ إلى الشرك الذي يوجب النار، ثم فسر فقال: 41-" ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار " كرر ندائهم إيقاظاً لهم عن سنة الغفلة واهتماماً بالمنادى له ، ومبالغة في توبيخهم على ما يقولون به نصحه ، وعطفه على النداء الثاني الداخل على ما هو بيان لما قبله ولذلك لم يعطف على الأول ، فإن ما بعده أيضاً تفسير لما أجمل فيه تصريحاً أو على الأول.
وقد روى البخاري ومسلم في "الصحيحين" من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن [أهل] الجنة، وإن كان من أهل النار فمن [أهل] النار، يقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة". وهذه الآية تدل على عذاب القبر، لأنه بين ما لهم في الآخرة فقال: ويوم تقوم الساعة أدخلوا قرأ ابن كثير، وابن عامر، [وأبو عمرو]، وأبو بكر وأبان عن عاصم: "الساعة ادخلوا" بالضم وضم الخاء على معنى الأمر لهم بالدخول، والابتداء على قراءة هؤلاء بضم الألف. وقرأ الباقون: بالقطع مع كسر الخاء على جهة الأمر للملائكة بإدخالهم، وهؤلاء يبتدئون بفتح الألف.
قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۚ قَالُوا فَادْعُوا ۗ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50) القول في تأويل قوله تعالى: قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ (50) وقوله: ( قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ) يقول تعالى ذكره: قالت خزنة جهنم لهم: أو لم تك تأتيكم في الدنيا رسلكم بالبيّنات من الحجج على توحيد الله, فتوحدوه وتؤمنوا به, وتتبرّءوا مما دونه من الآلهة؟ قالوا: بلى, قد أتتنا رسلنا بذلك. وقوله: ( قَالُوا فَادْعُوا) يقول جلّ ثناؤه: قالت الخزنة لهم: فادعوا إذن ربكم الذي أتتكم الرسل بالدعاء إلى الإيمان به. وقوله: ( وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ) يقول: قد دعوا وما دعاؤهم إلا في ضلال, لأنه دعاء لا ينفعهم, ولا يستجاب لهم, بل يقال لهم: اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ.
وقد روى البخاري من حديث شعبة عن أشعث ابن أبي الشعثاء عن أبيه عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أن يهودية دخلت عليها فقالت نعوذ بالله من عذاب القبر فسألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر فقال صلى الله عليه وسلم: "نعم عذاب القبر حق" قالت عائشة رضي الله عنها: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر. فهذا يدل على أنه بادر صلى الله عليه وسلم إلى تصديق اليهودية في هذا الخبر وقرر عليه, وفي الأخبار المتقدمة أنه أنكر ذلك حتى جاءه الوحي فلعلهما قضيتان والله سبحانه أعلم وأحاديث عذاب القبر كثيرة جداً وقال قتادة في قوله تعالى: "غدواً وعشياً" صباحاً ومساء ما بقيت الدنيا يقال لهم يا آل فرعون هذه منازلكم توبيخاً ونقمة وصغاراً لهم, وقال ابن زيد هم فيها اليوم يغدى بهم ويراح إلى أن تقوم الساعة. وقال: ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد حدثنا المحاربي حدثنا ليث عن عبد الرحمن بن ثروان عن هذيل عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إن أرواح الشهداء في أجواف طيور خضر تسرح بهم في الجنة حيث شاؤوا, وإن أرواح ولدان المؤمنين في أجواف عصافير تسرح في الجنة حيث شاءت فتأوي إلى قناديل معلقة في العرش, وإن أرواح آل فرعون في أجواف طيور سود تغدو على جهنم وتروح عليها فذلك عرضها, وقد رواه الثوري عن أبي قيس عن الهذيل بن شرحبيل من كلامه في أرواح آل فرعون وكذلك قال السدي.
شجرة الحياة وسط الجنة ترمز إلى المسيح بقلم / وردا إسحاق قلّو الله مجداً له ( … غرس أيضاً شجرة الحياة … في وسط الجنة) " تك 9:2″ نقرأ في أسفار عديدة من الكتاب المقدس تتحدث عن شجرة الحياة إبتداءً من سفر التكوين وحتى سفر الرؤيا ، فلماذا تشير هذه الشجرة ، وإلى من ترمز ؟ سفر التكوين يخبرنا عنها في هذه الآية ( واستنبت الرب الإله من الأرض كل شجرة بهية للنظر ، ولذيذة للأكل وغرس أيضاً شجرة الحياة ، وشجرة معرفة الخير والشر في وسط الجنة) " 9:2 ". ثم ( قال الرب الإله: ها الإنسان قد صار كواحد منا ، يميّز بين الخير والشر. زاهي حواس يهدي كتاب «الحياة في الجنة» للملك أحمد فؤاد الثاني | بوابة أخبار اليوم الإلكترونية. وقد يمد يده ويتناول من شجرة الحياة ويأكل ، فيحيا إلى الأبد) " 22:3″. فما المقصود بشجرة الحياة إذاً ، ولماذا تنفع ثمارها ؟ تلك الشجرة كانت حقيقية مغروسة في وسط الجنة وكما يؤكد لنا سفر الرؤيا في الآيات التالية ( … كل من ينتصر سأطعمه من ثمر شجرة الحياة في فردوس الله) "7:2 " كما يصف لنا يوحنا الرائي ويقول ( وأراني نهر ماء الحياة صافياً كالبلور ينبع من عرش الله والحمل ويخترق ساحة المدينة) " 1:22″. كما يقول الكتاب: ومن يأكل منها يعيش إلى الأبد. أي تعطي له الخلود ، لهذا السبب طرد الله الأبوين بعد سقوطهما مباشرةً لكي لا يأكلوا منها فيعيشا إلى الأبد.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قال الله تعالى أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمعتْ، ولا خطر على قلب بشر، فاقرؤوا - إن شئتم -: ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ﴾ [السجدة: 17])). أسأل الله أن يغفرَ ذنوبنا، ويجعلنا من أهل الفردوس الأعلى، بغير سابقة عذاب، ولا مناقشة حساب
السؤال: الشيخ الكريم عندما ندخل الجنة إن شاء الله هل سنجد الحياة هناك كهذه الحياة العصرية؟ الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعد: فإنَّ ملاذَّ الجنة ونعيمَها مما ورد ذكرُه في الكتاب والسنة، تُغاير ملاذَّ الدنيا ونعيمها، وإنما أوقعتْ عليها الأسماء؛ لإفهامِنا المعنى المراد؛ كما رُوِي عن ابن عباس: " ليس في الجنة شيءٌ يشبه ما في الدنيا إلا الأسماء " [رواه أبو نُعَيْم في "صفة الجنة" (21 / 2)، والبيهقي، والضياء المقدسي في "المختارة"، وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" (4 / 278): "بإسناد جيد"، وصحَّحه الألباني في الصحيحة (2188)]. فالقَدْرُ المشترَك بين أسماء الدنيا وأسماء الجنة معنًى كليٌّ عامٌّ لا يتحدَّد إلا بالاختصاص، كما في بعضِ مخلوقات الدنيا؛ تتفق في الأسماء، وتختلف في الحقائق، كيَدِ النملة، ويد الفيلِ، اتَّفقتا في اسم اليد، واختلفتا في الحقيقة؛ فهذه على صفةٍ خاصة بها تختلف تمامًا عن الأخرى في الهيئة أيضًا، والشكل، والصفة. ففي الدنيا عندنا: فواكهُ ولحمٌ ورمَّان ونَخْل، وفي الجنة: لحم وفواكه ورمان ونخل وغيرها مما له أسماء الدنيا، ولكنها قطعًا لا تشبهُ أحسن الموجود في الدنيا، ولا يمكن أن يشبهه أبدًا؛ لا في الهيئة ولا الشكل، وإنما قرَّب اللهُ عز وجل لنا الأشياء الموجودة في الجنة وهي غيبيات لم نَرَها بأعيننا بأسماءٍ موجودة في الدنيا نعرفُها، فالتشابُه في الاسم فقط، وهو القَدْرُ الذي اصطلح عليه أهلُ العلم بتسميته "القَدْر المشترك"، وهو معنًى كليٌّ عامٌّ لا يتحدَّد إلا بإضافته، أما بوجود معناه الكلي العام، فلا يمكن أن يتحدَّد، ولا يمكن أن يعرف له وضع معين.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان ، حدثنا أبان ، حدثنا يحيى ، عن أبي سلمة ، عن عبادة بن الصامت ؛ أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ، أرأيت قول الله تعالى: ( لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة) ؟ فقال: " لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أمتي - أو: أحد قبلك " قال: " تلك الرؤيا الصالحة ، يراها الرجل الصالح أو ترى له ". وكذا رواه أبو داود الطيالسي ، عن عمران القطان ، عن يحيى بن أبي كثير ، به ورواه الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، فذكره. ورواه علي بن المبارك ، عن يحيى ، عن أبي سلمة قال: نبئنا عن عبادة بن الصامت ، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية ، فذكره. وقال ابن جرير: حدثني أبو حميد الحمصي ، حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا عمر بن عمرو بن عبد الأحموسي ، عن حميد بن عبد الله المزني قال: أتى رجل عبادة بن الصامت فقال: آية في كتاب الله أسألك عنها ، قول الله تعالى: ( لهم البشرى في الحياة الدنيا) ؟ فقال عبادة: ما سألني عنها أحد قبلك ، سألت عنها نبي الله فقال مثل ذلك: " ما سألني عنها أحد قبلك ، الرؤيا الصالحة ، يراها العبد المؤمن في المنام أو ترى له ". ثم رواه من حديث موسى بن عبيدة ، عن أيوب بن خالد بن صفوان ، عن عبادة بن الصامت ؛ أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة) فقد عرفنا بشرى الآخرة الجنة ، فما بشرى الدنيا ؟ قال: " الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ترى له ، وهي جزء من أربعة وأربعين جزءا أو سبعين جزءا من النبوة ".