/اجتنبوا كثيرا من الظن/ الشيخ ياسر الدوسري 💙 تلاوة كردية 💙 - YouTube
هناك من يتصوّر أشياء غير حقيقية من الآخرين فتجده يبتعد عنهم ليعيش منطوياً وغير متفاعل عدم ثقة الفرد بمن حوله يجعله يعيش وحيداً يعتبر سوء الظن بالناس مرضا أخلاقيا، ومن الخصال المذمومة والقبيحة، التي تؤدي إلى الشك وعدم الثقة، وهو مؤشر خطير يقضي على ترابط المجتمع وتماسكه. ولهذا المرض الخطير أسباب وتداعيات وعواقب سلبية. ويرجع سوء الظن إلى أسباب نفسية واجتماعية يعيشها الفرد خلال حياته اليومية، وبالتالي يكون قد صوّر في داخله صورة سلبية عن المجتمع، فيراه عدوانياً وسلبياً، لذلك تكون ردة فعله الداخلية والنفسية تجاه الآخرين سلبية، فلا يتوقع منهم سوى السوء، ما ينعكس على حياته وعلاقاته، فقد يتحول إلى انطوائي وغير متفاعل، حيث إن توقعاته الداخلية المسبقة للأحداث تبعده عمن حوله، في سبيل تحقيق الأمان الذي ينشده لنفسه.
﴿ وَلَا تَجَسَّسُوا ﴾ حتى هناك رأي آخر ولا تحسسوا، قالوا: التحسس تتبع الأخبار الطيبة، إنسانة لم تكن تنجب الأولاد بعد ذلك أصبحت حاملاً، فتسألها جارتها العلة منك أم منه؟ حملت وانتهى، لِمَ تدخل في هذه التفاصيل؟ ﴿ وَلَا تَجَسَّسُوا ﴾ ولا تحسسوا، التحسس تتبع الأخبار الطيبة. جريدة الرياض | اجتنبوا كثيرا من الظن. ﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ﴾ أقسم لكم بالله الغيبة وحدها تمزق الأمة، تمزق المجتمعات، تفتت الأسر، الغيبة وحدها، لو كان هناك انضباط، أو كان عندنا عالم كبير، الشيخ بدر الدين الحسني، شيخ سوريا، من أخلاقه العالية أنه إذا تكلم إنسان أمامه عن إنسان آخر، يقول له: اسكت، أظلم قلبي، لم يكن يسمح لأحد أن يتكلم أمامه عن إنسان آخر. مرة بلغني أن وزير أوقاف استلم الوزارة، فأتى وفد لتهنئته، وطعن بالذي قبله، فقال له: اسكت، الذي قبلي أحسن مني، هو صديقي، اسكت، لم يعد أحد يجرؤ بمدى وزارته أن يتكلم عن أحد أمامه، هذه بطولة. تشبيه الله عز وجل الغيبة بأكل لحم الميت: ﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً ﴾ سبحانك يا رب! لا يوجد أشهى من اللحم، ولا يوجد شيء له رائحة لا تحتمل إذا فسد كاللحم، أحياناً يكون هناك حيوان ميت بالبرية من خمسين متراً له رائحة تكاد تخرج من جلدك منها، فالله عز وجل اختار مشبهاً به دقيقاً جداً: ﴿ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً ﴾ أنت لحم الميت المتفسخ، لا تستطيع أن تواجه رائحته من خمسين متراً، فكيف إذا أكلته؟ ﴿ فَكَرِهْتُمُوهُ ﴾ كأن الله يشبه لنا الغيبة بأكل لحم الميت.
حسن الظن بالآخرين حسن الظن بالآخرين من الآداب التي دعت إليها الشريعة، وتقررت في الفطر السليمة؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا ﴾ [الحجرات: 12]، قال القرطبي رحمه الله في تفسيرها: "أي: لا تظنوا بأهل الخير سوءًا إن كنتم تعلمون من ظاهر أمرهم الخير.
وكان بالمدينة أقوام لا عيوب لهم أي العيوب يراها الناس، فتكلموا في عيوب الناس، فأظهر الله لهم عيوباً لم يزالوا يُعرفون بها إلى أن ماتوا"(4) ورد أيضاً عن الرسول الكريم (ص) أنه قال: "لا تطلبوا عثرات المؤمنين، فإنَّ من تتبع عثرات أخيه، تتبَّع الله عثراته"(5). فرقٌ.. أنت تلتفت وتغفل، تُصدَّق وتُكذَّب، أما الله -عز وجل- فإنه لا يغفل ولا يسهو -جلَّ شأنه-، وهو القادر على أن يصنع مقتضيات التصديق عند الناس. فما هو وجه المقارنة بينك، وبين الله؟! متى بارزتَ الله، وحاربتهَ، بأن أفشيت أسرار عباده، فإنّ الله منتقمٌ لهم منك، يتتبع عثراتك ثم يفضحك وأنت في بيتك، وبين ذويك وأَخصَّائك -هذا هو الوعد النبويّ-، ومن تتبَّع اللهُ عثراته، يفضحه ولو في جوف بيته. يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن. كفى به عيباً يقول الإمام الباقر (ع): "كفى بالمرء عيباً، أن يتعرَّف من عيوب الناس ما يعمى عليه من أمر نفسه"(6). وهذه هي مشكلة مَن يتزَّيا بهذه السجيَّة السَّيئة فهو غالباً ما يكون مُعجباً بنفسه، أو غاضًّا عنها -رغم استشعاره من الداخل بأنَّه ناقص-. أسوأ عيبٍ أن يعيش الإنسان هذه الحالة، فينسى أنَّه مُخطئ، وينسى أنَّه ناقص، وينسى أنَّه يرتكب الخطأ، وينسى أنَّ له عيوباً، فيتتبَّع عيوب الناس وعثراتهم!
5- شرح أصول الكافي -مولي محمد صالح المازندراني- ج 10 ص 4. 6- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 15 ص 289. 7- شرح رسالة الحقوق -الإمام زين العابدين (ع)- ص 634. 8- سورة الحجرات / 12.
وأضاف أن بعض خبيثي النفس لا يروق لهم رؤية الصالحين، فيرصدون لهم زلاتهم وغفواتهم، ويسيئون الظن بهم، ويعملون على إفساد صورتهم في عقول الناس، موضحاً أن لسوء الظن آثار سيئة، فهو يجعل الإنسان منعزلاً عن الآخرين، ومتخوفاً منهم، ويظن بهم أنهم سيؤذونه فيعزل نفسه نفسياً واجتماعياً ويصبح منطوياً ومنزوياً. أكبر شريحة وأوضح حسن الجعفري- إعلامي- أنه لا يتوقف الأمر عند البعض بإساءة الظن بالآخرين، وإنما يتعدى إلى التشهير بهم، فتنتقل عدوى إساءة الظن إلى أكبر شريحة من الناس، وهذه طبيعة منتشرة بين أناس لا يتقون الله تعالى في أعراض الآخرين، فكل همهم التعدي على خصوصياتهم، والتدخل في شؤونهم الخاصة، مضيفاً أنه تتعدد مواقف سوء الظن وتتنوع لتشمل الفرد والأسرة والمجتمع، فنجد زوجة تسيء الظن في زوجها، وتقوم بالتجسس عليه ومراقبة اتصالاته، كما نجد أيضاً كثيرا من الأسر تسيء الظن ببعضها بعضا، مبيناً أن الحل الوحيد لهذه المشكلة هو في اجتنابه والابتعاد عنه نهائياً كما أمرنا الله سبحانه وتعالى. سوء الظن يعصف بالعلاقات مع الآخرين محمد الرياني حسن الجعفري محمد الحكمي تيسير أبوطالب علي عواجي