2011-02-15, 11:13 PM #1 من خشي الرحمن بالغيب ينجو من الفتن في الدنيا، وينال الفوز في الآخرة العالم يُجرُّ اليوم إلى مخاطر مجهولة، وويلات بالفتن مأهولة، كلما قيل: تمادت، وكلما قيل: ذهبت؛ تراجعت. في هذه الفتن؛ الطاعة للكذابين، والسمع للأفاكين، والقيادة للرعاع والسفهاء، والانقياد للطغام والدهماء. فإذا تكلم العاقل؛ بُهت، وإن نصح العالم أعرضوا عنه وأُسكِت. وهنا نطق الرويبضة، وتكلم التافه في أمر العامة، وانساق الناس على غير هدى إلى هلاكهم، لأنهم اتخذوا رؤساء جهالا فسئلوهم بغير علم فضلوا وأضلوا. الذي يعرض عن العلم والعلماء، ويتخذ قادة وزعماء؛ من العامة والسفهاء؛ هل يعلم أين ينقاد؟ وإلى أين سيصل؟ هذا يشبه من اتخذ الغراب دليلا، فأوصله إلى الرمم والجيف. إن من لا يتخذ العلم والعلماء له قائدا؛ إنما اتخذ إلهه هواه فأضله الله على علم. اليوم وفي خضم هذه الفتن لابد من اللجوء إلى العلم الشرعي وأهله، حتى ينجو الإنسان من هذه الفتن والمخاطر، {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}. (الزمر: 9) وكلما ازداد العبد خشية؛ ازداد علما، {إنما يخشى الله من عباده العلماء}. (فاطر: 28)، وإنما العلم الخشية. فالذي يخشى الرحمن بالغيب؛ لا يخرِّب ولا يدمِّر، ولا يسفك دما حراما، ولا ينتهك عرضا، ولا يأكل من غيره دون حق.
الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) ثم وصفهم فقال: ( الذين يخشون ربهم بالغيب) كقوله ( من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب) [ ق: 33] ، وقوله: ( إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير) [ الملك: 12] ، ( وهم من الساعة مشفقون) أي: خائفون وجلون.
ثالثا: أن الرجل المسلم تأخذه الغيرة في الله فيتصدى لحماية المرأة عما اضرت إليه إضطراراً وذلك في قوله " فسقى لهما ". فالرجل الذي عنده نخوة إذا رأى امرأة في الطريق تحمل حملاً ثقيلاً فليساعدها وإذا رأى امرأة في مكان مزدحم تريد الشراء فليؤثر نفسه عليها. رابعاً: الحياء لهذا جمال المرأة بحياءها وعفتها وأدبها " فجاءته إحدائهما تمشي على استحياءٍ ". قال عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-: " جاءت على استحياء قائلةً بثوبها على وجهها ". قال الجوهري-رحمه الله-: " السلفع من النساء الجريئة السلطة " السلفع من النساء: أي المرأة الوقحة الجريئة على الرجال. هذا مع الرجال الأجانب أما مع زوجها فخير النساء التي إذا خلت مع زوجها خلعت له رداءَ الحياء. الذي يخشى الرحمن بالغيب يكون يقينه كما قال ابن عمر-رضي الله عنهما-" إذا أصبحت فلا تنتظرِ المساءَ وإذا أمسيت فلا تنتظرِ الصباح ". عمر بن عبد العزيز-رحمه الله-قال له وزير ماليته: ما ضرَّ لو صرفنا لك يا أمير المؤمنين راتبَ شهرٍ مُقدماً فنظر إليه نظرةَ غضب تكاد من شدة غضبها تهتك حجاب الشمس فقال له: ثكلتك أمك هل اطلعتَ على علم الغيبِ ووجدتني سأعيش يوماً واحداً بعد الآن صدقت يا أمير المؤمين وهل يوجد هذا اليقين عند المسلمين اليوم؟ هل يتذكرون قول الله-عز وجل-: " وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفسٌ بأي أرض تموت إن الله عليمٌ خبير ".
لذا حُقَّ له أن تدعو له، وتصلي له النملة في حجرها، والحوت في البحر؛ لأنه ينفع الناس، ويعلمهم الخير. الذي يخشى الرحمن بالغيب؛ لا يشرك بالله أحدا؛ لا نبيا مرسلا، ولا ملكا مقربا، ولا وليا صالحا، لا يشرك بربه أحدا في عبادته أو دعائه، أو طوافه أوذبحه، فلا يذبح لغير الله، ولا يدعو ولا يرجو غيره، ولا يتوكل على غيره، ولا يستغيث ولا يستعين بغيره، ولا يطوف بقبر أو ضريح أو مقام إلا حول الكعبة، فلا يخاف ولا يخشى غيره. الذي يخشى الرحمن بالغيب؛ إذا حلف فلا يحلف إلا بالله، وإن نذر نذرا؛ نذره لله وحده. الخطبة الثانية: الذي يخشى الرحمن بالغيب؛ شره في الدنيا خلال عمره قليل أو نادر أو معدوم، فحُقَّ له أن يبشره ربه بمغفرة ورزق كريم: ( وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) [ق: 31 - 35]. ( إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) [الملك: 12].
هكذا يكون حال من تدركه الشقاوة والعياذ بالله. الذي يخشى الرحمن بالغيب يُطيع أمَّه وأباه في غيرِ معصيةٍ واعلم أنه لا أحد أرحم بك بعد الله إلا أمك فقرن الله رحمته برحمة الأم في إحدى غزوات النبي-صلى الله عليه وسلم-كانت امرأة من السبايا تبحث عن ابنها وهي حائرة وهائلة والله أعلم ماذا أنزل على قلبها؟ من الخوف والهلع والجزع فلما رأته ضمته إلى صدرها بقوة وعنف وأرضعته فقال النبي-صلى الله عليه وسلم-لأصحابه: أترون هذه المرأة طارحةً ولدَها بالنَّار قالوا: لا والله وهي تقدر على أن لا تطرحَه فقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: " لله أرحم بعباده من هذه بولدها " [رواه البخاري ومسلم]. فقرن رحمةَ الله برحمة الأم ولكن رحمةَ الله لا يفوقها شيء-سبحانه-. أمك تحزن لحزنك وتفرح لفرحك وتأنس بأنسك وتغتم بغمك فإن القلوب جُبلت على من يحبنا ويهتمُّ بنا. بكى أحد الصالحين عند موت أمه فقالوا له: اصبر فقال: إني صابر لكن أميَّ كانت في حياتها باباً يوصلني إلى الجنة وبموتها أُغلِقَ البابُ. الذي يخشى الرحمن بالغيب ينفع الناس ويساعد المحتاجين والمساكين والأيتام والأرامل إن لم يجدْ فيدعو لهم بالتيسير والتسهيل قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم- من استطاع منكم أن ينفعَ أخاه فليفعلْ " [رواه مسلم].
السؤال: فصـل في الكلام على قوله تعالى: {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ} الإجابة: الكلام على قوله: { مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ} [ق: 33]. وفي هذه الآية قال: { سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى} [الأعلى: 10]. وقال في قصة فرعون: { فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44]، فعطف الخشية على التذكر. وقال: { لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان: 62]. وفي قصة الرجل الصالح المؤمن الأعمى قال: { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى} [عبس: 3- 4]. وقال في [حم] المؤمن: { ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاء رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ} [غافر: 12- 13]، فقال: { وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ}.