اهـ.
هذه الآية الكريمة وهي قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115] ذكر فيها الحافظ أقوالاً للعلماء وهي ما يأتي: القول الأول: إنها تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم حينما فاته التوجه إلى الكعبة، فقد كان في مكة قبل الهجرة، يستقبل بيت المقدس، والكعبة بين يديه، يستقبلهما جميعاً، فلما هاجر إلى المدينة فاته ذلك فكأنه حصل في نفسه بعض الشيء فأنزل الله هذه الآية تسلية له ولأصحابه، والمعنى: أينما تتوجهوا فالله تعالى هو الذي أمركم، وهذه طاعته. والقول الثاني: أن هذه الآية نزلت قبل أن يوجه إلى الكعبة، فحينما هاجر إلى المدينة عليه الصلاة والسلام كان يتوجه إلى أي جهة كانت، فبين الله تعالى أن الجهات كلها له وهي ملك لله عز وجل، وأن أي جهة توجه إليها بإذن الله وبأمره فذاك طاعة الله؛ ولهذا أنزل الله: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه} [البقرة:115] -وهذه الآية فيما إثبات صفة الوجه لله عز وجل على ما يليق بجلاله وعظمته- فأنتم حينما تتوجهون إلى أي جهة بإذن الله وطاعته فذاك امتثال لأمر الله، ثم وجه عليه الصلاة والسلام بعد ذلك إلى الكعبة.
القول السادس: أن هذه الآية نزلت في الدعاء، وأن المسلم إذا دعا ربه ورفع يديه إلى أي جهة فثم وجه الله. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال مجاهد: (فأينما تولوا فثم وجه الله): حيثما كنتم فلكم قبلة تستقبلونها: الكعبة. وقال ابن أبي حاتم بعد رواية الأثر المتقدم عن ابن عباس في نسخ القبلة عن عطاء عنه، وروي عن أبي العالية والحسن وعطاء الخراساني وعكرمة وقتادة والسدي وزيد بن أسلم نحو ذلك. وقال ابن جرير: وقال آخرون: بل أنزل الله هذه الآية قبل أن يفرض التوجه إلى الكعبة]. وهذا هو القول الثاني. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإنما أنزلها ليعلم نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه أن لهم التوجه بوجوههم للصلاة حيث شاؤوا من نواحي المشرق والمغرب؛ لأنهم لا يوجهون وجوههم وجهاً من ذلك وناحية إلا كان جل ثناؤه في ذلك الوجه وتلك الناحية]. لأن في ذلك طاعة الله وامتثال أمره، وقد كان الصحابة قبل أن يوجهوا إلى الكعبة يتوجهون إلى جهات متعددة، فإذا توجهوا إلى أي جهة وقد أذن الله له فذاك طاعة الله وامتثال أمره. ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [لأن له تعالى المشارق والمغارب، وأنه لا يخلو منه مكان]. في هذه الآية أن الله تعالى مالك الجهات كلها فهو مالك المشارق والمغارب.