ولو كنت فظا غليظ القلب لنفظوا من حولك ( الامر بالمعروف والنهي عن المنكر) - YouTube
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. بعدَ معركةِ أُحدٍ، وفي الوقتِ الذي لا يَزالُ فيه جُرحُ النَّبيِّ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- يَنزفُ، وقد استُشهدَ من أصحابِه سبعونَ صحابيًّا، وبعدَ أن رجعَ ثُلثُ الجيشِ قبلَ المعركةِ، وخَالفَ بعضُ الرُّماةِ أمرَه وضَعُفوا أمامَ إغراءِ الغَنيمةِ، ووَهنَ البعضُ أمامَ إشاعةِ مَقتلِه فانقلبَوا على أعقابِهم مُنهزمينَ، وتَركوهُ في النَّفرِ القَليلِ مُثْقَلًا بجِراحِهِ، وهو صَامدٌ يَدعوهم في أُخرَاهم، وهم لا يَلْوُونَ على أَحدٍ. بعدَ كلِّ ما حدثَ فيها من الأحداثِ الأليمةِ، والمواقفِ الجسيمةِ، يأتي الخِطابُ الرَّبانيُّ في آياتٍ من سورةِ آل عمرانَ في وصفِ أحداثِ المعركةِ، ثُمَّ يُنهيها بمِنَّةٍ ومَدحٍ، وتوجيهٍ ونُصحٍ، وبُشرى وفَتحٍ، فيقولُ اللهُ –تعالى- لنبيِّه -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)[آل عمران: 159]؛ فالعفو والمغفرةُ هي شِيمةُ الكِرامِ.
وقال أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي أنبأنا بشر بن عبيد حدثنا عمار بن عبدالرحمن عن المسعودي عن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها قالت; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله أمرني بمداراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض" حديث غريب. ولهذا قال تعالى "فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر". ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في الأمر إذا حدث تطييبا لقلوبهم ليكون أنشط لهم فيما يفعلونه كما شاورهم يوم بدر في الذهاب إلى العير فقالوا; يا رسول الله لو استعرضت بنا عرض البحر لقطعناه معك ولو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك ولا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ولكن نقول اذهب فنحن معك وبين يديك وعن يمينك وعن شمالك مقاتلون. وشاورهم أيضا أين يكون المنزل حتى أشار المنذر بن عمرو بالتقدم أمام القوم. وشاورهم في أحد في أن يقعد في المدينة أو يخرج إلى العدو فأشار جمهورهم بالخروج إليهم فخرج إليهم. ولو كنت فظا غليظ القلب. وشاورهم يوم الخندق في مصالحة الأحزاب بثلث ثمار المدينة عامئذ فأبى ذلك عليه السعدان سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فترك ذلك.