فيها جلاء صدأ القلوب وغمامة البصيرة، وفيها حِفْظ العقول، وحِفْظ الأعراض، وحفظ الأموال، وحفظ الأبدان، فحينما نتقبَّلها ونعمل بما احتوى عليه هذا القرآن، حفِظتْ لنا هذه الأمور التي لا بد للخلق منها، ولا يمكن لمجتمع أن يعيش بدون سلامتها، وحينما يَهجُر القرآنَ أيُّ مسلم أو أي مجتمع، فالهلاك مآله، والدمار مصيره، ومرض القلوب مُلازِمُه، وعُقَد النفوس تتوارَدُه، والأهواء تتجاذَبُه، وشياطينه تتنازَعُه. لا تهجر القرآن. لقد شكا الرسول صلى الله عليه وسلم قومَه إلى ربه لما هَجَروا القرآن؛ قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ [الفرقان: 30]، فاحذروا مَن هَجْر القرآن بأي نوع من أنواع الهِجران، فلقد خاب وخَسِر من كان الله ورسوله خَصْمه. والهجر أنواع: هجر سماعه والإيمان به، وعدم الإصغاء إليه؛ قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ﴾ [فصلت: 26]. ثانيًا: هجر العمل به، وعدم الوقوف عند حلاله وحرامه، وإن قرأه وآمَن به، وهجرُ التداوي به؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ﴾ [فصلت: 44]، فمَن ترَك التداوي به، طلَبه من غيره، ومعلوم أن الدواء إذا لم يُوافِق الداءَ لم ينفع، فيطلب شفاء دائه من غيره ويهجر التداوي به، وكل هذا داخلٌ في قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ [الفرقان: 30].
قبل الأمر بالصلاة والصيام، وقبل تفصيل الشرائع، وقبل الكلام عن العقيدة قال الله: اقرأ. الصيام رياضة روحية وقهر للبدن وكبح وإلجام للعنصر الحيواني في الإنسان. كم من صائم ليس له من صومه إلّا الجوع والعطش. لا تدع قيام الليل، ولا الصيام حتّى لو كنت مريضاً. الصوم جنة المؤمنين. تارك الصلاة محروم في شهر رمضان المبارك. وتزودوا في رمضان فإنّ خير الزاد التقوى. من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ويصوم. خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. يزين الله في كل يوم جنته ويقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة والأذى ثمّ يصيروا إليك. الصوم جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم. فإنّه إذا كان أول ليلة في شهر رمضان ينظر الله إليهم، ومن نظر الله إليه لم يُعذبه أبداً. أجمل العبارات الرمضانية - موضوع. إنّ شهر رمضان هو شهر تتفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق أبواب النار. إنّ شهر رمضان تصفد فيه مردة الشياطين. الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة. أسأل الله الذي لن تطيب الدنيا إلّا بذكره، ولن تطيب الآخرة إلّا بعفوه، ولن تطيب الجنة إلا برؤيته، أن يديم ثبات المسلمين ويقوي إيمانهم ويسهل خطاهم نحو طريق الجنة، وكل شيء يسهل لهم نحو الطريق من صيام وقيام.
وأما التدبر فقليل من يتدبره، نسأل الله السلامة، وأن يتجاوز عن تقصيرنا ويردنا إليه ردًّا جميلًا ويملأ قلوبنا بحب كتابه، والتعلق به. فلنحذر أيها الأحبة من هجر القرآن؛ قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ [الفرقان: 30]. هجر القرآن أنواع؛ قال ابن القيم رحمه الله: أحدها: هجر سماعه والإيمان به. والثاني: هجر العمل به وإن قرأه وآمن به. والثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه. والرابع: هجر تدبُّره وتفهُّم معانيه. لا تهجر القران الكريم. والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب. فاحذر يا عبد الله أن تهجر القرآن مهما كانت الظروف، اجعل لك وردًا يوميًّا لا تتركه، وجاهد نفسك ذلك، فإن الوقت يمضي ولا تشغلك الدنيا فإنها زائلة. نسأل الله أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور أبصارنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا، اللهم ذكِّرنا منه ما أُنسينا وعلِّمنا منه ما جهلنا، اللهم اجعله شافعًا وحجة لنا يوم الدين. والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
صلى الله وسلم عليه وعلى أصحابه الذين حفِظوا القرآن وعمِلوا به في أنفسهم وأهليهم، ففازوا بالسعادتين في الدنيا والآخرة ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 18]. أما بعد، فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى وآمِنوا به وبكتابه وبرسوله وبما جاء في سُنَّته، يؤتِكم كِفْلين من رحمته ويجعل لكم نورًا تمشون به ويغفر لكم، والله غفور رحيم.
اقرأ ورتِّل وتعلَّم وعلِّم وأبشر، وتذكَّر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن، ويتتعتع فيه وهو عليه شاقٌّ له أجران)؛ كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم؛ رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها. ثالثًا: كثرة تلاوته، فإنه تلاوته من أعظم أيسر الطرق إلى ملء رصيدك من الحسنات، كما في الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ألف لام ميم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف))؛ رواه الترمذي وصححه الألباني. لا تهجر القرآن. قراءتك للقرآن تجعلك تحظى بشفاعته يوم القيامة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ)؛ رواه مسلم. رابعًا: تدبُّر آياته والتأمل في معانيه، ومدلولاته، والتفكر فيه، وأن تستشعر أنه يخاطبك فتخاطب نفسك به؛ قال سبحانه: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]. خامسًا: العمل بما جاء فيه: فإذا وجدت أمره امتثلت لأمره، وإذا وجدت نهيه انتهيت، ولسان حالك ومقالك: سمعنا وأطعنا، تحكمه في كل أمورك، وتجعله دستورك في جميع أحوالك.
ويعدد العلماء النتائج الخطيرة التي ترتبت على هجر المسلمين للقرآن. لا تهجر القران mp3. فنتائج هجر القرآن على مستوى الأفراد، أصبح سلوك كثير من المسلمين، لا يمت إلى أخلاق القرآن بصلة، بدءًا بترك تحية الإسلام إفشاءً وردًا، ومرورًا بالتحاسد والتنابذ بالألقاب والسخرية من بعضهم البعض، وانتهاء بالتعامل بأنواع الحرام، من رباً وزنى، وأكل لأموال الناس بالباطل، ونحو ذلك من المحرمات التي نهى الله عنها في كتابه الكريم. ومن النتائج أيضا هجر لغة القرآن والزهد فيها، والرغبة عنها، والأخذ بلغة أولئك القوم؛ لأنها لغة العصر والمعاصرة، وسبيل التطور، ومظهر من مظاهر الرقي والحضارة!!. فأنت ترى أحدهم يتفاخر ويتباهى أنه يرطن بلغة الأعاجم، ولم يعد يعتمد العربية في كلامه، بل ربما يخجل أن يتكلم بها؛ لأنها - بحسب زعمه - لغة ميتة لا حياة فيها، ولأنها لا تناسب تطورات العصر ونهضته! فضلاً عن اقتداء الهاجرين للقرآن بأهل الغرب قدوتهم، ومن سلوك أولئك القوم وجهتم؛ فهم يقلدونهم في الصغيرة والكبيرة من الرذائل، وفي القبيح والمذموم من العادات والصَّرْعات؛ فإن أطالوا شعورهم، كان على هؤلاء أن يفعلوا الشيء نفسه، وإن كشف أولئك القوم عوراتهم وأظهروا سوآتهم!