وأما القبول: فيفترق القبول عن الأخذ في أن الموظف العام لم يأخذ المقابل ولكنه قَبِل الوعد بالحصول على هذا المقابل، فتقع جريمة استغلال النفوذ وفقاً لهذا الفرض إذا عرض صاحب الحاجة على الموظف أن يتقاضى عمولة معينة إذا سهل له الموظف مثلاً رسوّ العطاء عليه نظير حصوله بعد ذلك على مبلغ معين أو خدمة معينة كأن يعين قريب له في عمل معين على سبيل المثال. ولا يقع استغلال النفوذ إذا لم يكن هناك فائدة يحصل عليها الموظف مستغل النفوذ، أو كان من المتفق عليه أن يحصل عليها فيما بعد. فإذا قام الموظف بأداء خدمة معينة في عمله ولكن بدافع من المجاملة، فإن جريمة استغلال النفوذ لا تقع، غير أنه لا يشترط أن يحصل مستغل النفوذ بالفعل على الفائدة بل يكفي أن يكون قابلاً الوعد بها. وتشمل الفائدة أي ميزة يحصل عليها الموظف أو يقبل وعداً بها، فقد تكون ميزة مادية أو معنوية، ومن قبيل الميزة المادية الحصول على مبلغ من المال، أو الحصول على هدية عينية كسيارة أو عقار! وقد تكون ميزة معنوية كتعيين شخص يهم الموظف في عمل معين أو حصوله على ترقية في عمله! فقد يكون المستفيد من الفائدة الموظف نفسه أو ابنه أو زوجته أو أي شخص آخر يُعيّنه للاستفادة من تلك الميزة.
وأمامنا جرائم عدة من هذه الجرائم كشفت أسرارها هيئة الرقابة ومكافحة الفساد من خلال قيامها بالتصدي لـ (889) قضية جنائية وتأديبية، تركزت كلها على استغلال النفوذ الوظيفي، اشترك فيها أطراف عدة من الجنسين، منهم الموظفون والموظفات ورجال أعمال ووافدون.. الخ، وهذا يحسب للهيئة التي نشطت بعد أن منحتها الدولة الضوء الأخضر لتعقب مرتكبي جرائم الفساد بكل صوره. قضية واحدة بلغ رقمها (193. 639. 535) مليون ريال تمكنت الهيئة من استعادة المبلغ لخزينة الدولة، بل إن الهيئة استطاعت أن تسيطر على مسيرة عصابة كبيرة ترتبط خيوط فسادها ببعضها البعض مما يعقد كشف أسرارها إلا أن العنصر البشري المدرب بالهيئة بتعاونه مع جهات أخرى صار له ما أراد فقد فكك (شيفرة) الفاسدين المعقدة فانتصرت عليهم وأودعتهم سلطة القضاء. ومسلسل الأرقام الفلكية المنهوبة الذي عاد إلى خزينة الدولة لا يتوقف، (141. 989. 709) (149. 418. 972) (110. 006. 545) ليبلغ مجموعه (595054761) أكثر من نصف مليار ريال كان سيبتلعه عصابة فاسدة، وهو حق مطلق للدولة، لا يستحقه الفاسدون بل لابد من إيقاع العقاب على كل من الراشي والمرتشي والرائش. إن الفساد ليس ظاهرة جديدة فقد ظهر منذ عهد نبي الله آدم عندما طمع ابنه فيما ليس حقاً له، فطمع في أن يتزوج أخته التي هي من نصيب أخيه، فكانت النتيجة أن سولت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين، ويتبين من قصة ابني آدم حقائق منها: أن الفساد مصدره الأنانية وحب النفس، وأنه يبدأ صغيراً ثم يكبر.
وقد أدركت الدول هذه الحقيقة فأولت الدول عنايتها الفائقة لوضع التنظيمات القانونية الصارمة لردع أي موظف عام تسول له نفسه الخروج على مقتضيات الوظيفة العامة والمتاجرة بها، فسُنَّت لذلك التشريعات التي تُجرِّم انتهاك حرمة الوظيفة العامة، كما أولت عناية فائقة لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، خصوصاً أن القاعدة المعروفة في القانون الجنائي هي أن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص! وفي النظام السعودي تُعد جريمة استغلال النفوذ أحد أهم الجرائم التي تمثل عدواناً على الوظيفة العامة، وقد نص نظام مكافحة الرشوة السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم 36/م بتاريخ 29-12-1412هـ في مادته الخامسة على أن: «كل موظف عام طلب لنفسه أو لغيره أو قَبِل أو أخذ وعداً أو عطية لاستعمال نفوذ حقيقي أو مزعوم للحصول أو لمحاولة الحصول من أية سلطة عامة على عمل أو أمر أو قرار أو التزام أو ترخيص أو اتفاق أو توريد أو على وظيفة أو خدمة أو مزية من أي نوع يُعد مرتشياً ويُعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في هذا النظام». وبتأمل هذا النص يتضح لنا ما يلي: 1- أن هذه الجريمة تقع من موظف عام ومن في حكمه طبقاً للمادة الثامنة من النظام وتفترق عن جريمة الرشوة في أنها اتجار بالنفوذ من موظف بينما تصب الرشوة على الاتجار بأعمال الوظيفة أو استغلال الوظيفة لأنها جريمة وظيفية فقط.
الجدعاني, أ. د/ حامد. "استغلال النفوذ الوظيفي". SHMS. NCEL, 03 Mar. 2019. Web. 27 Apr. 2022. <>. الجدعاني, أ. (2019, March 03). استغلال النفوذ الوظيفي. Retrieved April 27, 2022, from.
المسئولية الجنائية عن جريمة استغلال النفوذ في النظام السعودي عاصم بن سعود السياط يعتبر الموظف العام ركيزة أساسية في أي دولة حديثة، فالدولة كشخص معنوي لا يمكن لها أن تستقيم بلا عناصر بشرية تسيّر بها أعمالها، والموظف العام وسيلة تعبر بها الدولة عن إرادتها، ولسان ينطق برغبتها، ويد قوية تقدم بها خدمات المرافق العامة وتحقق بها سيادتها وسلطانها، تلكم الأمور لا تتحقق إلا من خلال الموظف العام أيّاً كانت درجته الوظيفية، ومهما كان حجم السلطة التي يتمتع بها. لذلك كان الاعتناء بالموظف العام من أولى أولويات الدول، لأن أي خلل يعتري الوظيفة العامة يجعل المواطن يوجه سهام نقده إلى الدولة التي تأتمن الموظف على مرافقها وعلى سيادتها. ولهذا تحاول الدول جاهدة أن تُحسن اختيار موظفيها من كافة الوجوه ليتولى الوظيفة الرجل الأكفأ، ثم تُوفر لهم الحماية القانونية حال أداء أعمالهم. إلا أنه مهما حاولت الدولة أن تنتقي الموظف العام بعناية فيبقى هذا الموظف بشراً له غرائز، فقد تتسرب إليه نوازع الهوى والانحراف فيحيد عن جادة الصواب، وينزلق إلى مدارك الفساد، ويكون بعد ذلك الفساد الوظيفي أمام مسؤولية قد تكون جنائية وقد تكون إدارية بحسب كل حالة وظروفها.
مجلة القانون الدستوري والمؤسسات السياسية Volume 5, Numéro 2, Pages 54-72 2022-03-26 الكاتب: مجدوب عبد الرحمان. الملخص استغلال النفوذ الوظيفي يمثل بصفة عامة،جميع المحاولات التي يقوم بها المدراء والموظفين، والتي يضعون من خلالها مصلحتهم الخاصة وغير المشروعة فوق المصلحة العامة، متجاوزين القيم التي تعهدوا باحترامها وخدمتها والعمل على تطبيقها، ويعد استغلال النفوذ الوظيفي انتهاك للواجب العام، وانحرافا عن المعايير الأخلاقية في العمل الوظيفي، ومن ثم يعد سلوكا غير قانوني وغير أخلاقي. وتلعب مجموعة من العوامل دورا هاما في انتشار ظاهرة استغلال النفوذ الوظيفي في المجتمع، فهناك عوامل إدارية واقتصادية، وأخرى اجتماعية وقانونية. الكلمات المفتاحية استغلال النفوذ; الموظف; أسباب استغلال النفوذ
ونظراً لاختلاف الفروق الفردية والسمات الشخصية والغريزية منها, قد ينحرف البعض منهم عن مسار النزاهة الوظيفية, وذلك باستغلال تلك السلطات في غير ما شرعت له, كالقيام بالقبض على شخٍص, وإيداعه التوقيف ولو ساعات قليلة, من أجل تهديده أو تخويفه, أو ما إلى ذلك, وبالطبع هذا منكرٌ عظيم, وخطرٌ جسيمٌ, وظلم بيَّن, وقد حرّم الله الظلم بكافة أنواعه وطرقه, قال تعالى: ( ولو ير الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعاً وأن الله شديد العذاب), وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اتقوا الظلم فإن الظلم ظلماتٌ يوم القيامة ". يقول الدكتور قدري عبد الفتاح الشهاوي, في الموسوعة الشرطية: " أن نشاط هيئة الشرطة قد تغلغل في كل ميادين الحياة, فضلاً عن أن رجال الشرطة أنفسهم بشرٌ غير معصومين من الزلل, وحولهم من أسباب الغرور والاعتداء بالسلطة ؛ ما يسهل انزلاقهم إلى التعسف والجور على الحقوق, فقد دلّت التجارب على أن كل إنسان يحوز شطراً ما من السلطة لديه نزعةٌ إلى إساءة استخدامه ".