ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوةٌ حسنة في قوله وفعله؛ فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم قوله: ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا أول من تنشقُّ الأرض عنه يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفَّع ولا فخر، ولواء الحمد بيدي يوم القيامة ولا فخر)) [1] ، وقال صلى الله عليه وسلم: ((أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين، وأشار بإصبعيه - يعني: السبابة، والوسطى)) [2] ، وغير ذلك من الشواهد الكثيرة التي تحدَّث فيها النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن نفسه بضمير (أنا)، ولم يتعوَّذ، ولو كان في ذلك ما تدعو الحاجة إليه، لبيَّنها لنا ولأرشدنا إليها. وعلى ذلك قس ما ثبت عن الصحابة رضوان الله عليهم؛ فكثيرًا ما كانوا يتحدَّثون عن أعمالهم دون تعوُّذ، من ذلك مثلًا ما رواه أبو هريرةَ قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أصبح منكم اليوم صائمًا؟))، قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: ((فمَن تبع منكم اليوم جنازةً؟))، قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: ((فمن أطعَمَ منكم اليوم مسكينًا؟))، قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: ((فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟))، قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما اجتمعن في امرئ إلا دخَل الجنة)) [3].
«أعوذ بالله من كلمة أنا».. -أعوذ بالله من كلمة -أنا-!!. جملة يتداولها الكثيرون أثناء الحديث دون معرفة الحكم الشرعي لترديدها؛ إذ خرج الدكتور مبروك عطية، الداعية الإسلامي، متحدثا عن رأي الدين في هذا الأمر، وذلك عبر قناته الرسمية بمنصة الفيديوهات «يوتيوب». مبروك عطية يوضح حكم «أعوذ بالله من كلمة أنا» وأكد الدكتور مبروك عطية ، أن مقولة «أعوذ بالله من كلمة أنا»، هي «حرام شرعا ولا تصدر إلا عن شخص جاهل»، موضحا: «اللغة العربية قواعد وعلماء اللغة يقولون أنا للمتكلم للمتواضع ونحن لجماعة المتكلمين وليست للتعظيم، يعني نقول أنا روحت أنا جيت أنا صليت، أنا تصدقت». وتابع الداعية الإسلامي: «ترديد كلمة أنا، طبيعي عند الحديث ولا يجوز قول أعوذ من الشيطان من كلمة أنا، لأنك لست شيطانا لتستعيذ منه»، مطالبا الجميع بالابتعاد عن ترديدها تقليدا للجاهلين حيث لم يأمر الله بها؛ فالاستعاذة لا تكون إلا من الشيطان ومن كل ما يؤذي النفس ويجلب الشر. وأوضح عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كلمة «أنا» عشرات المرات، ولم يقل في مرة واحدة «أعوذ بالله من كلمة أنا»، لافتا: «قال صلى الله عليه وسلم: أنا سيد ولد أدم ولا فخر ولم يتبع هذه العبارة بالاستعاذة».
وفي حديث الاستفتاح: ( اللهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ) رواه مسلم (771). وعلى عكس ذلك: قد يقترن بقولها من قصد صاحبها ، وحاله: ما يقتضي الذم على قوله ، والتأديب عليه ، والمنع منه ، في مثل ذلك المقام. قال ابن القيم رحمه الله: " وَلْيَحْذَرْ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ طُغْيَانِ " أَنَا "، " وَلِي "، " وَعِنْدِي "، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الثَّلَاثَةَ ابْتُلِيَ بِهَا إِبْلِيسُ وفرعون، وقارون، (فَأَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) لِإِبْلِيسَ، وَ (لِي مُلْكُ مِصْرَ) لفرعون، وَ (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) لقارون. وَأَحْسَنُ مَا وُضِعَتْ " أَنَا " فِي قَوْلِ الْعَبْدِ: أَنَا الْعَبْدُ الْمُذْنِبُ ، الْمُخْطِئُ، الْمُسْتَغْفِرُ، الْمُعْتَرِفُ. وَنَحْوِهِ: " لِي "، فِي قَوْلِهِ: لِيَ الذَّنْبُ ، وَلِيَ الْجُرْمُ ، وَلِيَ الْمَسْكَنَةُ، وَلِيَ الْفَقْرُ ، وَالذُّلُّ. و"َعِنْدِي " ، فِي قَوْلِهِ: " اغْفِرْ لِي جِدِّي ، وَهَزْلِي ، وَخَطَئِي ، وَعَمْدِي ، وَكُلَّ ذَلِكَ عِنْدِي " انتهى من "زاد المعاد" (2/ 434-435) ، وينظر: "معجم المناهي اللفظية" للشيخ بكر أبو زيد ، رحمه الله (150).