وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "كلُّ معروفٍ صَدقةٌ"، أي: كلُّ أمْرٍ طيِّبٍ قولًا أو فِعلًا يُؤدِّيه المؤمِنُ فهو له صَدقةٌ، واسم المعروفِ يُطلَق على ما عُرِفَ بأدلَّةِ الشَّرعِ أنَّه مِن أعمالِ البِرِّ سواءٌ جرَتْ به العادةُ أم لا، والمرادُ بالصَّدقةِ الثوابُ؛ فإنْ قارنَتْه النِّيةُ أُجِرَ صاحبُه جزمًا. "والدَّالُّ على الخيرِ كفاعِلِه"، أي: مَن أرشَدَ إلى فِعلِ الخيرِ مِن أمْرٍ دِينيٍّ أو دُنيويٍّ، فله مِن الأجرِ مِثْلُ مَن قام بالفِعلِ دونَ أنْ يَنقُصَ مِن أجْرِ الفاعلِ شيئًا، والدَّلالةُ على الخيرِ تكونُ بأساليبَ كثيرةٍ؛ كأنْ يَفعَلَ فِعلًا صالحًا يُقْتدى به فيه، فيكون نظيرَ مَن سنَّ سُنَّةً حَسنةً بالقولِ كتعليمِ الخيرِ، ويكون بالإشارةِ إلى الخيرِ، وغير ذلك.
متن الحديث الحديث بكامل السند Sorry, your browser does not support HTML5 audio. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ أَتَاهُ: " اذْهَبْ ؛ فَإِنَّ الدَّالَّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ " 272 أحاديث أخري متعلقة من كتاب مسند الأنصار رواة الحديث تعرف هنا على رواة هذا الحديث الشريف وسيرتهم وطبقاتهم ورتبة كل منهم
ومن أوجه الدلالة على الخير: قم بدلالة التجار على الفقراء والأيتام والأرامل والمساكين ومحتاجي الزواج من الشباب وغيرهم ، أو على المساجد التي تحتاج إلى بناء ، أو إلى حفر الآبار في القرى المحتاجة وإلى بناء المساكن للفقراء وإلى توزيع زكاتهم في مصارفها الحقيقية لتحصل على مثل أجرهم. ومن أوجه الدلالة على الخير: أن من عرفت أنه يرغب في الزواج فدله على الفتاة الصالحة (ذات الدين) التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم ، وإذا عرفت من ترغب في الزواج من النساء ، فدلها على الرجل (الذي يرضى دينه وخلقه) ، ودل كل مسلم على ما يتناسب معه: فمن رأيته من أهل الغضب فقل له "لا تغضب" ، ومن رأيته قليل الذكر لله ، فدله على الإكثار من ذكر الله ، ومن رأيته يتخلف عن الصلاة ،أو عن صلاة الفجر ،فدله على الصلاة وعلى صلاة الفجر وهكذا. ومن طلب منك أن تدله على عمل يدخل به الجنة ويباعده عن النار فدله على القيام بالفرائض وترك المحرمات ، ففي الصحيحين واللفظ لمسلم: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ.
ومن النماذج على دال الخير، طالبٌ تعسّر عليه حل بعض المسائل فسأل صديقه الذي يدرس معه فأخبره أنه لم يفهم هذه المسألة من أستاذه بالأصل، ولكنه يعرف صديقه الآخر يفهمها جيدًا ومستعد لأن يفهمها لأي شخص، فهذا الخير هو نشر العلم فسيكون له من الأجر العظيم، وكثيرون من يطلبون المال فلا يجدون عند من يطلبون منهم ولكن أحدهم يدلهم على تاجرٍ كريم معطاء، فيذهبوا إليه فيجزل لهم مما فتح الله عليه من المال، فهذا الخير هو الصدقة. والذي يدل على الخير ينال أجره في الدنيا والآخره، فأجره في الآخرة هي بقدر الخير الذي قُدم لمن احتاجه، وأما في الدنيا فكما تُدين تُدان، وسيأتي يومٌ تتبدل فيه الأحوال وقد يكون الشخص في حاجة غيره فيجد من يدله قبل أن يتكبد العناء والشقاء.
وجاء في التنوير شرح الجامع الصغير: "قال: ظاهر الحديث المساواة، وقاعدة الشريعة أن الأجر على قدر المشقة؛ إذ مشقة من أنفق عشرة دراهم ليس كمن دلّ، ويدل عليه أن من دلّ إنسانًا على قتل آخر يعزر ولا يقتص منه. وفي شرح السيوطي على مسلم: "قال النووي: المراد أن له ثوابًا كما لفاعله ثوابًا، ولا يلزم أن يكون قدر ثوابهما سواء. وذهب بعض الأئمة إلى أن المثل المذكور في هذا الحديث ونحوه إنما هو بغير تضعيف. واختار القرطبي أنه مثله سواء في القدر والتضعيف، قال: لأن الثواب على الأعمال إنما هو بفضل من الله، فيهبه لمن يشاء على أي شيء صدر منه، خصوصًا إذا صحت النية التي هي من أصل الأعمال في طاعة عجز عن فعلها لمانع منعه منها ، فلا بعد في مساواة أجر ذلك العاجز لأجر القادر الفاعل أو يزيد عليه". وعلى هذا؛ فالمدار على صحة نية الدال على الخير، فعلى قدر صدقه وإخلاصه يعظم أجره. وكما قال المناوي: "بل قد يكون أجر الدال أعظم، ويدخل فيه معلم العلم دخولًا أوليًّا". وكلما ازداد عدد المنتفعين بعلم العالم أو ناشر العلم ازداد أجره بإذن الله جل وعلا، مع الأخذ في الاعتبار أن الناس يتفاضلون في أجرهم كذلك على حسب إخلاصهم وصدقهم، وهذا لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.
وجزاكم الله -عز وجل- خيرا. الإجابــة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد: فقد ثبت الترغيب في الدلالة على الخير لما فيه الثواب الجزيل, ومن الأدلة على ذلك الحديث الذي ذكرته, وهو في صحيح مسلم عن أبي مسعود الأنصاري ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من دل على خير فله مثل أجر فاعله. قال الإمام النووي في شرح الحديث: فيه فضيلة الدلالة على الخير، والتنبيه عليه، والمساعدة لفاعله، وفيه فضيلة تعليم العلم ووظائف العبادات، لا سيما لمن يعمل بها من المتعبدين، وغيرهم. والمراد بمثل أجر فاعله: أن له ثوابًا بذلك الفعل، كما أن لفاعله ثوابًا، ولا يلزم أن يكون قدر ثوابهما سواء. اهـ وقال ابن الجوزي في كشف المشكل من حديث الصحيحين: وقوله: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله" فيه إشكال: وهو أن يقال: الدلالة كلمة تُقال، وفعل الخير إخراج مال محبوب، فكيف يتساوى الأجران؟ فالجواب: أن المثلية واقعة في الأجر، فالتقدير: لهذا أجر كما أن لهذا أجرا، وإن تفاوت الأجران. ومثل هذا قوله: "من سن سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها" وقوله: "الخازن الأمين الذي يُعطِي ما أمِرَ به أحد المتصدقين" وقوله: "من جهز غازيا فقد غزا، ومن خَلَفه في أهله بخير فقد غزا".