فالمفلح الفائز هو الذى يحارب الأنانية أو الشح فى نفسه ، أما الخاسر فهو الذى يركن الى هوى نفسه وغرائزها. الفائدة المرجوة من قوله تعالى ومن يوق شح نفسه. وكما جاء فى الآية الكريمة عن العلاقة بين الزوجين فإن العلاج من مرض الشح هو بالتقوى والانفاق فى سبيل الله جل وعلا ، يقول رب العزة: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، قوله جل وعلا: (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ) يعنى أن الشّح مرض يجب الوقاية منه طلبا للفلاح. والوقاية منه تكون بعكس الشّح ، أى الانفاق والعطاء ، لذا قالت الآية التالية تحث على العطاء والمنح والانفاق فى سبيل الله جل وعلا: (إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ) ( التغابن 16: 17). 5 ـ وفى المواقف العملية للأنصار فى المدينة والتى أشاد بها رب العزة هى مقابلة الشح ( وهو التطرف فى البخل والمنع) بعكسه تماما وهو ( التطرف فى العطاء) أو: (الإيثار على النفس حتى مع وجود الفقر). وتلك هى الوصفة الأكيدة فى علاج مرض الشح والوقاية منه ، أن تؤثر على نفسك ، يقول جل وعلا عن الأنصار فى المدينة: ( وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ( الحشر 9).
اهـ.. قال أبو عمرو الداني: سورة التغابن مدنية. هذا قول قتادة. وقال ابن عباس ومجاهد وعطاء هي مكية إلا ثلاث آيات من آخرها نزلت في عوف بن مالك الأشجعي وذلك أنه شكى إلى رسول الله جفاء أهله وولده فأنزل الله عز وجل بالمدينة {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم} إلى آخر الآيات الثلاث. وقد ذكر نظيرتها في جميع العدد. وكلمها مائتان وإحدى وأربعون كلمة. وحروفها ألف وسبعون حرفا. وهي ثماني عشرة آية في جميع العدد ليس فيها اختلاف. وفيها مما يشبه الفواصل موضع واحد وهو قوله تعالى: {وما تعلنون}.. ورؤوس الآي: {قدير}. 1- {بصير}. 2- {المصير}. 3- {الصدور}. 4- {أليم}. 5- {حميد}. ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون. 6- {يسير}. 7- {خبير}. 8- {العظيم}. 9- {المصير}. 10- {عليم}. 11- {المبين}. 12- {المؤمنون}. 13- {رحيم}. 14- {عظيم}. 15- {المفلحون}. 16- {حليم}. 17- {الحكيم}. فصل في معاني السورة كاملة:. قال المراغي: سورة التغابن: {ألم يأتكم}: هذا الاستفهام للتعجب من حالهم، والنبأ: الخبر الهام وأصل الوبال: الثقل والشدة المترتبة على أمر من الأمور، ومنه الطعام الوبيل أي الثقيل على المعدة، والوابل: للمطر الثقيل القطر، ثم استعمل في الضر لأنه يثقل على الإنسان، والأمر: الكفر وعبر به للإيذان بأنه جناية عظيمة وأمر هائل، والبينات: المعجزات، و {تولوا}: أعرضوا، و {استغنى الله}: أي أظهر غناه عنهم إذ أهلكهم وقطع دابرهم.
{يا أيُّها الّذِين آمنُواْ إِنّ مِنْ أزْواجِكُمْ وأوْلادِكُمْ عدُوّا لّكُمْ فاحْذرُوهُمْ وإِن تعْفُواْ وتصْفحُواْ وتغْفِرُواْ فإِنّ الله غفُورٌ رّحِيمٌ} وقوله: {يا أيُّها الّذِين آمنُواْ إِنّ مِنْ أزْواجِكُمْ وأوْلادِكُمْ عدُوّا لّكُمْ فاحْذرُوهُمْ... نزلت لما أمِر الناس بالهجرة من مكة إلى المدينة، فكان الرجل إذا أراد أن يهاجر تعلقت به امرأته وولده، فقالوا: أين تضعنا، ولمن تتركنا؟ فيرحمهم، ويقيم متخلفا عن الهجرة، فذلك قوله: {فاحْذرُوهُمْ} أى: لا تطيعوهم في التخلف. وقوله: {وإِن تعْفُواْ وتصْفحُواْ... نزلت في أولاد الذين هاجروا، ولم يطيعوا عيالاتهم لأنهم قالوا لهم عند فراقهم للهجرة: لئن لم تتبعونا لا ننفق عليكم، فلحقوهم بعد بالمدينة، فلم ينفقوا عليهم، حتى سألوا رسول الله صلى الله عليه فنزل: وإن تعفوا وتصفحوا، وتنفقوا عليهم، فرخص لهم في الإِنفاق عليهم. {فاتّقُواْ الله ما اسْتطعْتُمْ واسْمعُواْ وأطِيعُواْ وأنْفِقُواْ خيْرا لأنفُسِكُمْ ومن يُوق شُحّ نفْسِهِ فأُوْلائِك هُمُ الْمُفْلِحُون} وقوله: {ومن يُوق شُحّ نفْسِهِ... بيان معنى قوله تعالى: (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون). يقال: من أدّى الزكاة فقد وُقِى شح نفسه، وبعض القراء قد قرأ {ومنْ يُوق شِحّ نفْسِه} ، بكسر الشين، ورفعها الأغلب في القراءة.
قال بيان الحق الغزنوي: سورة التغابن: {فمنكم كافر} [2] بأنه خلقه. {ذلك يوم التغابن} [9] سمي {بالتغابن} ، لأن الله أخفاه. والغبن: الإخفاء، ومغابن الجسد: ما يخفى عن العين، والغبن: في البيع، لخفائه على صاحبه. ويجوز أن يكون التغابن في يوم القيامة، لا من إخفاء الله إياه، بل من [إخفاء] أمر المؤمن على الكافر في الدنيا، فكأن الكافر والظالم يظنان أنهما غبنا المؤمن بنعيم الدنيا، والمظلوم بما نقصه من حقه وتلمه من ماله، وقد غبنهما المؤمن والمظلوم على الحقيقة بنعيم الآخرة وجزائهما، فلما صار الغبن من وجهين أحدهما ظن والآخر حق، جرى على باب التفاعل. {وأولادكم عدوا لكم} [14] كانوا يمنعونهم من الهجرة. {إن تعفوا وتصفحوا} كان من المهاجرين من قال: إذا رجعت إلى مكة لا ينال أهلي مني خيرا، لصدهم إياي عن الهجرة، فأمروا بالصفح. القاعدة الثالثة والأربعون: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) | موقع المسلم. ويكون العفو بإذهاب آثار الحقد عن القلوب، كما تعفوا الريح الأثر. والصفح: الإعراض عن المعاتبة. تمت سورة التغابن. قال الأخفش: سورة التغابن: {ذلِك بِأنّهُ كانت تّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبيِّناتِ فقالواْ أبشرٌ يهْدُوننا فكفرُواْ وتولّواْ وّاسْتغْنى الله والله غنِيٌّ حمِيدٌ} قال: {فقالواْ أبشرٌ يهْدُوننا} فجمع لأن (البشر) في المعنى جماعة.