نعود اليوم، لنرى ماذا فعل الشعراء يومها. لنسأل: ماذا سيقول الشعراء اليوم، في دخول المنبر إلى عرينه تحت جنح الظلام؟ قد عاد منبرنا بدون صلاحه إذ عادت النكبات في أفراحه فمتى تعود أيا صلاح لمنبر ونكون جندكَ يوم فكّ سراحه العيش في أجواء تحرير جيش صلاح الدين للقدس يومها لا يكتمل دون قراءة التوثيق الشعري للعاطفة الإسلامية التي اجتاحت الشرق تجاه بيت المقدس وجيش الفتح عموماً وصلاح الدين خصوصاً. وذلك عبر قصائد قيلت في ذلك الوقت، وليس بعده. فلو أردنا جمع القصائد التي قيلت فيما بعد، فسيندر وجود قصيدة تناولت الجهاد أو القدس ولم تعرج في الحديث إلى صلاح الدين. في الشعر يلفت انتباه القارئ أن أسلوب الشعر في ذلك الوقت لم نعتد عليه، فهو تقليدي القوافي والمعاني التي افتقرت إلى التجديد في ذلك العصر المصنف عصر الانحطاط، وأظن أن كثيراً من الشعراء قد ظلم بهذا التعميم، فقط لأنهم ولدوا في عصر كانت همومه الحربية والمعيشية تقتل الإبداع الأدبي الذي صنّم وزخرف المحسنات اللغوية.
بأي وجه نلقاهما؟! بأي لسان ننطق؟! ما نقول لهم! أنقول: ضيعناهما وتخاذلنا عن نصرتهما؟! أنقول: هانت علينا أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين؟! أنقول: نعيش وهمنا بطوننا وقبلتنا شهواتنا؟!... اللهم أصلح أحوال المسلمين. إننا اليوم نحيا على أمل أن يرزقنا الله بقائد كصلاح الدين الأيوبي يوحد الله به الصف ويحرر به بيت المقدس الذي يئن تحت وطأة طغاة اليهود، على أن نكون له جندًا كالذين كانوا مع صلاح الدين، جند يحرصون على الموت أشد مما يحرص أعداؤهم على الحياة، رهبان بالليل وفرسان بالنهار، قرآنهم في قلوبهم، والقدس في مخيلاتهم، والمسجد الأقصى لا يفارق أفكارهم. وكخطوة في تحقيق هذه الأمنية العزيزة الغالية ننقل اليوم بعضًا من خطب خطبائنا التي تشرح هذا الفتح الصلاحي لبيت المقدس وللمسجد الأقصى، وتتفكر في الأسباب التي أدت إلى ذلك النصر العظيم، وتتأمل في أسباب انهيار المسلمين، وأسباب عدم قدرة المسلمين على تكرار ذلك الفتح الصلاحي المبين، فإلى هذه الخطب:
تذكير ببعض بطولات أمتنا المجيدة فتح القدس ينبغي أنْ يعرف رجالُنا ونساؤنا وأولادنا صُمودَ أمَّتِنا أمامَ المؤامرات والحملات العسكريَّة المدمِّرة، وأنْ يعرفوا البُطولات الفذَّة التي كانت في أمَّتنا - وما أكثرها! - لأنَّ ذلك قد يكون سببًا في أنْ تنهض الأمَّة من الكبوة التي هي فيها الآن، وقد يحميها من الوُقوع في اليَأس القاتل. لقد صمدت أمَّتُنا خلالَ تاريخِها الطويل منذُ خمسة عشر قَرْنًا لمحاولات الانقِضاض علينا، واستِئصال شَأفَتِنا من الوجود، وإخراجنا من دِيننا. فكانت - بفضْل الله - تقومُ بواجب الجهاد، وصدِّ العُدوان، ودَحْرِ المعتَدِين، وإذا غُلِبت في بعض الأحيان، فسرعان مِن تحت الأنقاض ما تستأنفُ حَياتها الكريمة، وتَثْأر لكَرامتها، وتمضي في دَعوتها مُستمسكةً بقيمها ومُثُلِها. وتتالت الفتن، فتنة في إثْر فتنة، إلى أنْ كانتِ الطامَّة الكبرى في عُدوان الصَّليبيِّين على بلادنا، فجاء هؤلاء الوحوشُ المتخلِّفون مُتعطِّشين لدِماء المسلمين ولخيراتهم، فعاثوا في دِيار المسلمين مُفسِدين، يُهلِكون الحرثَ والنَّسل، ويُدمِّرون مظاهرَ الحضارة.