{ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ} أي: لكن من تولى عن الطاعة وكفر بالله { فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ} أي: الشديد الدائم، { إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ} أي: رجوع الخليقة وجمعهم في يوم القيامة. { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} فنحاسبهم على ما عملوا من خير وشر. آخر تفسير سورة الغاشية، والحمد لله رب العالمين
(لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ) ، [٢٨] الرسول بأنّه لا يستطيع إكراه الناس على الإيمان بالله، ولن يقدر على إجبار الناس، و جعل الإيمان في قلوبهم. (إِلَّا مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ) ، [٢٩] التَّولِّي: هو الإعراض والمكابرة عن الحقّ، هذا الكافر الذي كفر بلسانه، وبقلبه، وأعرض عن الإيمان؛ بأنَّه سوف يدخل نار جهنم لظلم لنفسه واستكباره. (فَيُعَذِّبُهُ اللَّـهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ) ، [٣٠] العذاب الأكبر: هو عذاب نار جهنم، وهوعاقبة الكفار المعرضين عن الحقّ والإيمان بالله -تعالى-، وأن مصيرهم سيكون في نار جهنم. (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ) ، [٣١] الإياب: هو الرجوع والعودة، تتحدَّث الآية عن تهديد الله ووعيده، بأنَّ رجوع الكفار سيكون إليه؛ ليحصدوا شرَّ أعمالهم في النهاية. (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم) ، [٣٢] خُتمت سورة الغاشية بآية تُبيّن بأن الحساب سيقع لا محالة، فمن عمل خيراً سيُجزى به، و من عمل شراً فلا يلومن إلا نفسه، فقد كان لديه القدرة على الاختيار ولكنّه أساء الاختيار، وهنا دعوة للإنسان بأن يُحسن عمله، ويطيع ربَّه قبل أن يأتي يوم الحساب ويقع على الظالمين العقاب. المراجع ↑ وهبة الزحيلي، كتاب التفسير المنير الزحيلي ، صفحة 204.
سبب تسمية سورة الغاشية بهذا الإسم سميت سورة الغاشية بهذا الاسم لورود لفظ الغاشية في مطلعها، في قوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} ، والمقصود بالغاشية هنا هو يوم القيامة، فالغاشية اسم من أسماء يوم الدينونة.
[٩] وكانت الإبل أفضل الأنعام عند العرب؛ حتى أنّهم جعلوها دية القتل، وذكروها في أشعارهم، فدعاهم الله -تعالى- إلى النظر إليها وإلى الصفات التي تتمتع بها، فكيف لهم أن ينكروا البعث، وهذا خلق بسيط من خلقه، تعددت منافعه؛ فالله -تعالى- كما خلق الإبل قادرٌ على البعث والجزاء. [٩] مظاهر قدرة الله في خلق السماء ضرب الله -تعالى- مثلًا خلقه السماء مرفوعةً من غير أعمدة تمسكها، [١٠] وهي بعيدة ثابتة في السماء من غير سقوط، وهي ذات نجوم كثيرة، كلّها مرفوعة بأمر الله -تعالى-، فكيف لأحدٍ أن ينكر البعث بعد هذه الآيات؟. [١١] مظاهر قدرة الله في خلق الجبال من مظاهر خلق الله -تعالى- التي جاءت في الآيات خلقِه للجبال؛ فهي منصوبة مرفوعة، وكأنّها تقف على الأرض وقوفًا ثابتًا لا حركة فيه، لتُمسك هذه الأرض وتُثبتها، فالناظر إليها يتعجب من ثباتِها، ومنها تنبع المياه، وتُستخرج المعادن، والكثير من المنافع التي تدعو البشر لتأملها، وتأمل خلق الله وقدرته في هذا الكون. [١٢] مظاهر قدرة الله في خلق الأرض يدعو الله -تعالى- المنكرين للبعث إلى تأمل الأرض؛ كيف جعلها الله ممهدة للعيش عليها، ومبسوطةً لا خلل فيها، ليتخذها الناس سكنًا لهم، وينتفعوا بما فيها من خيرات، فمن الأرض يستخرج الناس مقومات العيش من نباتات وأشجار ومعادن.
[٤] ثم بدأت الآيات تصف حال الكافرين في النار فقد قال -تعالى-: (تَصْلَىٰ نَارًا حَامِيَةً* تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ* لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ* لَّا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ) ، [٥] فجزاء هذه الوجوه كما وصفتها الآيات ما يأتي: [٤] أنّ الكافرين يوم القيامة وجوههم ذليلة، وخاشعة ومرهقة من العذاب يومئذٍ. أنّ الكافرين تصلاهم نار جهنم، ويقاسون لهيبها. أنّ الكافرين شرابهم فيها من ينبوع حار متوهج، لا يروي لهم عطشًا، ولا يبرّد لهم قلبًا. أنّ الكافرين طعامهم في نار جهنم لا يُسمن ولا يغني من جوع؛ فهو الشوك الذي أصابه اليبس، ولا يجدون فيه طعمًأ سوى المرارة.
(لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ) ، [١٢] تعني أنَّ المؤمنين يوم القيامة سوف يبدو عليهم أثر النعيم، ونظرة الرضا؛ لأنَّ الله جازاهمم عن إحسانهم إحساناً، وعطاءً حتى يبلغ المؤمنون درجة الرضا التامِّ. (فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) [١٣] دليل على علو مكانتها وكما أن الله عز وجل سمّاها عالية لأن جهنم أسفل منها. ودليل على أن الجنة درجات والمؤمنين مكانتهم في أعلى درجات الجنة. تفسير الآيات المتعلقة بجزاء المؤمنين يوم القيامة وصفت الآيات دار الثواب للمؤمنين ونعيمها وسنذكر بيان الآيات فيما يأتي: [١٤] (لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً) ، [١٥] هي الجنة التي وعد الله عباده المؤمنين فيها، أهلها لا ينطقون إلا بالتسبيح، والحمد، وشكر الله على نعيمه المقيم الدائم، وبلوغ هذه الدرجة العالية. (فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ) ، [١٦] تصف الآية مقدار النعيم الذي أعده الله -تعالى- لعباده المؤمنين، أنَّ في الجنة ينابيع كثيرة من الماء الصافي، والأشربة اللذيدة التي لم يتذوقها أحد من البشر قبل. (فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ) ، [١٧] هذه الآية تعطينا صورة حيّة لأصناف النعيم الذي أعده الله للمؤمنين في الجنة، فالأسّرة مصنوعة من الأقمشة الناعمة والثمينة جداً، سميكة بالحجم، ومرتفعة جداً حتى يرى منها المؤمن حدائق الجنة، والنعيم المُمتدّ.