وقد كانوا يعاملونهم معاملة الأبناء من كل وجه ، في الخلوة بالمحارم وغير ذلك; ولهذا قالت سهلة بنت سهيل امرأة أبي حذيفة: يا رسول الله ، كنا ندعو سالما ابنا ، وإن الله قد أنزل ما أنزل ، وإنه كان يدخل علي ، وإني أجد في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئا ، فقال صلى الله عليه وسلم: " أرضعيه تحرمي عليه "الحديث. ولهذا لما نسخ هذا الحكم ، أباح تعالى زوجة الدعي ، وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش زوجة زيد بن حارثة ، وقال { لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا} [ الأحزاب: 37] ، وقال في آية التحريم { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم} [ النساء: 23]، احترازا عن زوجة الدعي ، فإنه ليس من الصلب ، فأما الابن من الرضاعة ، فمنزل منزلة ابن الصلب شرعا ، بقوله عليه السلام في الصحيحين: " حرموا من الرضاعة ما يحرم من النسب ". فأما دعوة الغير ابنا على سبيل التكريم والتحبيب ، فليس مما نهي عنه في هذه الآية ، بدليل ما رواه الإمام أحمد وأهل السنن إلا الترمذي ، من حديث سفيان الثوري ، عن سلمة بن كهيل ، عن الحسن العرني ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أغيلمة بني عبد المطلب على حمرات لنا من جمع ، فجعل يلطخ أفخاذنا ويقول: " أبيني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس ".
حينها فسرها مجاهد أن الله عز وجل جعل لرجل عقلين. وفي مرة أخرى فسر المرادي تلك الآية في قول إن رجلاً كان يقول دائماً أنه يملك نفسين أحدهما تأمره. والأخرى تنهاه، وعندما نزلت الآية فسرها الحسن ما جعل الله لرجل من نفسين. سبب نزول الآية ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه من المعروف أن كل آية في القرآن لها سبب في النزول، وسبب نزول ورد في 4 أماكن منها ما يلي: القول الأول أن جميل بن معمر من بني جمح، كان دائما من الناس الأفضل قوة وقدرة على الحفظ حال سماعه أي قول. قال قريش عن جميل أنه لا يحفظ بقلب واحد، ولكن له قلبين، وفي يوم بدر نحى، وفي يديه إحدى نعليه. وفي الأخرى في رجليه، وعندما وجده أبو سفيان. أخبره أبو سفيان بشاطئ البحر أن قريش قالت عنه أن عقله ذهب، فماذا عن النعلين. فرد عليه جميل بن معمر قائلاً: "ما كنت أظنها أنها توجد إلا في رجلي فظهر لهم حاله". وفسر السدي ويكون الآية بمعنى:" ما جعل الله لرجل من فهمين ". ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه. القول الثاني أن مثل ضربه زيد بن حارثة عندما تبناه الرسول الكريم، بعد العتق من العبيد. وعندما نزلت الآيات التي تحرم التبني، وحينها نزل قول ما جعل الله لرجل من أبوين. القول الثالث ألا يوجد في قلب رجل مؤمن مع القوم، وقلب رجل كافر على القوم، لأن الإيمان لا يجتمع مع الكفر، ومنه تم تفسر الآية أي ما جعل الله لرجل من دينين.
وبعد هذا الإيجاز في شرح مراحل تكوين القلب في الجنين، فقد يتساءل البعض: أليست هناك بعض التشوهات المرضية والاختلافات الخِلقية في قلوب بعض المواليد؟ فنجيب بنعم، ولكن لم ولن نجد من له قلبين في صدره! وذلك لاستحالة تكوينهما في جنين واحد ـ كما أسلفنا ـ وإذا توقفت أي من المراحل السابق ذكرها أثناء تكوين القلب الجنيني، فإن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى موت الجنين إذا كان ذلك التشوه أو الاختلاف لا يتمشى أو يتعارض مع الحياة، فيتم إجهاضه أو وفاته داخل الرحم قبل ولادته، وهو كما ذكرنا ليس ازدواجيٌّا في تخليق القلب، ولكنه توقف عند إحدى مراحل تكوينه الجنيني، وقد يكون اختلافًا خلقيٌّا بسيطًا ويولد الطفل بتشوه في قلبه. والأمثلة كثيرة منها وجود ثقب بين الأذينين أو بين البطينين أو كلاهما معًا أو وجود بطين واحد كقلب الطيور أو انحناء القلب جهة اليمين، وقد يكون القلب معيوبًا في مجموعة من مواضع اتصال الشرايين أو الأوردة الكبرى بالقلب أو صماماته مثل مرض ثلاثي أو رباعي فَالْمُوت (نسبة لمكتشفه) وغيرها من الاختلافات الخلقية البسيطة أو المركبة والمعقدة ومنها ما قد تصاحبه زرقة أو لا تصاحبه زرقة، ونعود فنقول إنه يستحيل أن يولد رجل بقلبين في جوفه إلى يوم القيامة، حتى في حالات التوائم (السيامية) الملتحمة أو الملتصقة، فقد يكون لكل توأم منهما قلب منفصل، وقد يكون لهما قلب واحد، ولكن يستحيل أن تكون لهما ثلاثة قلوب.