اهـ.. قال ابن عطية: {يَا بُنَيَّ إنَّهَا إنْ تَكُ مثْقَالَ حَبَّةٍ منْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ في صَخْرَةٍ}. المعنى وقال لقمان {يا بني} وهذا القول من لقمان إنما قصد إعلام ابنه بقدر قدرة الله تعالى وهذه الغاية التي أمكنه أن يفهمه، لأن الخردلة يقال إن الحس لا يقدر لها ثقلًا إذ لا ترجح ميزانًا، وقد نطقت هذه الآية بأن الله تعالى قد أحاط بها علمًا. وقوله: {مثقال حبة} عبارة تصلح للجواهر، أي قدر حبة، وتصلح للأعمال أي ما تزنه على جهة المماثلة قدر حبة، وظاهر الآية أنه أراد شيئًا من الأشياء خفيًا قدر حبة، ويؤيد ذلك ما روي من أن ابن لقمان سأل أباه عن الحبة تقع في مقل البحر يعلمها الله، فراجعه لقمان بهذه الآية. وذكر كثير من المفسرين أنه أراد الأعمال المعاصي والطاعات، ويؤيد ذلك قوله: {يأت بها الله} أي لا تفوت، وبهذا المعنى يتحصل في الموعظة ترجية وتخويف منضاف ذلك إلى تبيين قدرة الله تعالى، وفي القول الآخر ليس ترجية ولا تخويف. يابني انها ان تكن مثقال حبة من خردل. ومما يؤيد قول من قال هي من الجواهر قراءة عبد الكريم الجزري {فتكنّ} بكسر الكاف وشد النون من الكن الذي هو الشيء المغطى، وقرأ جمهور القراء {إن تك} بالتاء من فوق {مثقالَ} بالنصب على خبر كان واسمها مضمر تقديره مسألتك على ما روي، أو المعصية أو الطاعة على القول الثاني.
الخامس: لا تختل في مشيتك، قاله ابن جبير. {وَاغْضُضْ من صَوتكَ} أي اخفض من صوتك والصوت هو أرفع من كلام المخاطبة. {إنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَات لَصَوْتُ الْحَمير} يعني شر الأصوات، قاله عكرمة وفيه أربعة أوجه: أحدها: أقبح الأصوات، قاله ابن جبير. الثاني: قد تقدم. الثالث: أشد، قاله الحسن. الرابع: أبعد، قاله المبرد. وإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا. – المُريد •. {لَصَوْتُ الْحَمير} فيه وجهان: أحدهما: أنها العطسة المرتفعة، قاله جعفر الصادق. الثاني: أنه صوت الحمار. وفي تخصيصه بالذكر من بين الحيوان وجهان: أحدهما: لأنه أقبحها في النفس وأنكرها عند السمع وهو عند العرب مضروب به المثل، قال قتادة: لأن أوله زفير وآخره شهيق. الثاني: لأن صياح كل شيء تسبيحه إلا الحمار فإنه يصيح لرؤية الشيطان، قاله سفيان الثوري، وقد حكي عن بشر بن الحارث أنه قال: نهيق الحمار دعاء على الظلمة. والسبب في أن ضرب الله صوت الحمار مثلا ما روى سليمان بن أرقم عن الحسن أن المشركين كانوا في الجاهلية يتجاهرون ويتفاخرون برفع الأصوات فمن كان منهم أشد صوتًا كان أعز، ومن كان أخفض صوتًا كان أذل، فقال الله تعالى: {إنَّ أَنكَرَ الأَصْوَات لَصَوْتُ الْحَمير} أي لو أن شيئًا يُهَابُ لصوته لكان الحمار فجعلهم في المثل بمنزلته.
قال القرطبي: {يَا بُنَيَّ إنَّهَا إنْ تَكُ مثْقَالَ حَبَّةٍ منْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ في صَخْرَةٍ}. المعنى: وقال لقمان لابنه يا بُنَيّ. وهذا القول من لقمان إنما قصد به إعلام ابنه بقدر قدرة الله تعالى. إعراب قوله تعالى: يابني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو الآية 16 سورة لقمان. وهذه الغاية التي أمكنه أن يفهمه، لأن الخردلة يقال: إن الحسّ لا يدرك لها ثقَلًا، إذ لا ترجّح ميزانًا. أي لو كان للإنسان رزق مثقال حبّة خَرْدَل في هذه المواضع جاء الله بها حتى يسوقها إلى من هي رزقه؛ أي لا تهتم للرزق حتى تشتغل به عن أداء الفرائض، وعن اتباع سبيل من أناب إليّ.
إن الله لطيف بعباده خبير بأعمالهم.