وكان يقول: «إنما أريد أن يعتادَ سمعُك شعرَ عصرٍ مُعَيَّنٍ؛ ثم نعود إلى مثل ذلك لشاعر بعينه، فتنشأَ لديك ملكةُ تمييزٍ، بحيث تُرجِعُ ما تسمعُ ولأول ما تسمعُ إلى عصرِه. فإذا كانتِ الخطوة التالية وهي الاستماع لشاعر بذاته استطعْتَ كذلك أن تَتَبَيَّن الشاعرَ مِن نَفَسِه وطريقَتِه والشائعِ من فَنِّه». فلعل شاكر درس على الشاعر البدوي بهذه الطريقة، أو لعله نصحه أن يدرُسَ الشعر بها، فنبَّهَتْه لما بين شعر الجاهلية الذي ولع به على شيخه المرصفي وبين شعر العصور الأخرى من التباين، وبين شعر كل منهم وغيرهم من الشعراء الذين أتوا بعدهم. محمود محمد شاكر وتحقيق تفسير الإمام الطبري رحمه الله - ملتقى أهل التفسير. لكن يبقى الفضل في ذلك لشيخه الأول في هذا الشأن الشيخ المرصفي، إذ يقول عنه: «وهو الذي أثارني إلى هذا وحرَّكني؛ هو وحده دون سواه». نظامٌ رياضيٌ لاستقصاء الشعر الجاهلي كانت هذه المرحلة هي مرحلة النزاع بين العربية والإنجليزية في نفسه ، وفي هذا الوقت حُبِّب إليه علم الرياضيات فأتقنها وتوسع فيها وتزود منها، ثم سخرها في دراسة الشعر الجاهلي يقول: «بدأتُ أقرأ ما بقي لدينا من دواوين شعر الجاهليَّة شاعرًا شاعرًا، ثُمَّ أشعارَ مئاتٍ من أهل الجاهليَّة ممَّن لا دواوينَ لهم، أو كانت لهم دواوينُ ولم تقع لي بعدُ دواوينُهم… كلما فرغت من ديوان شاعر بدأت في صحبة شاعر آخر وكلما وجدت لشاعر جاهلي علاقة ما بشاعر جاهلي آخر، صحبت ديوانه بعده أو معه… أوغلْتُ في القراءة وأكثرْتُ ملتزمًا بهذا النظام الذي هداني إليه وَلُوعي بالرياضيات فيما أظنُّ».
كان صاحبنا – قبل أن يوغل في قراءة الشعر الجاهلي – يحفظ المعلقات العشر الجاهلية، ويعرف تاريخها وتاريخ أصحابها ومعانيها، لكن كل ذلك بالنسبة له كان زيادة في ثروة معرفته بالعربية، فلما أوغل في قراءة الشعر الجاهلي ملتزمًا بالنظام الرياضيِّ الذي انْتَهَجَه وأبصرَ فيه ما لم يُبْصِرْه في قراءته منجَّمًا غيرَ مجموع، يقول: «وجدت في الشعر الجاهلي شيئًا لم أكن أجده من قبل وأنا أقرأ الشعر الجاهلي متفرقًا لشعراء مختلفين، عندئذ اختلف علي الأمر، ولم يعد مجرد ثروة أستزيدها في المعرفة بالعربية وبالشعر. بدأت أجد في هذا الشعر الجاهلي شيئًا مبايِنًا مباينةً سافرةً لما في الشعر العباسي كله بل أكبر من ذلك أني افتقدت هذا الشيء أيضًا في أكثر ما قرأت من الشعر الأموي الذي لا يفصل بينه وبين الجاهلية إلا المائة الأولى من التاريخ الهجري». لم يكن محمود شاكر يستطيع أن يعبر عن هذه الفروق التي أدركها بين الشعر الجاهلي وبين الشعر العربي، فلم يكن يجد في نفسه إلا التذوَّقَ المحضَ والإحساسَ المجرَّدَ، يقول: «وبهذا التذوُّق المتتابع الذي أَلِفْتُه، صار لكل شعرٍ عندي مذاقٌ وطعمٌ وشذًا ورائحةٌ، وصار مذاقُ الشعر الجاهلي وطعمُه وشذاه ورائحتُه بَيِّنًا عندي بل صار تميُّزُ بعضٍ من بعضٍ دالًّا عندي على أصحابه».
وكذلك هذا البيت: فراق، ومن فارقت غير مذمم وأم، ومن يممت خير ميمم لقد أفضى منهج التذوق الذي استخدمه شاكر إلى كشف الحجب عما طمره غبار السنين. من ذلك إضافة إلى ما تقدم رفض «نبوة» المتنبي رفضاً باتاً. فالمتنبي، كما انتهى إلى ذلك شاكر، لم يدع النبوة كما زعموا. بل اعتبر أن هذه النبوة هي مما افتعل افتعالاً وأقحم في خلال الأخبار التي ذكر فيها أنه أدعى «العلوية» إقحاماً خبيثاً. ومن أجلّ ما توصل إليه شاكر أن المتنبي تحول من «علوي مطالب بنسبه» إلى «عربي ثائر لأمته». وكل ذلك من خلال منهج التذوق الذي اعتمده. تجدر الاشارة إلى دراسة محمود شاكر هذه عن المتنبي، وفيها كل الفتوح التي أشرنا إليها، لا تزال دراسة جديدة إلى اليوم. فعلى الرغم من كل ما تبعها من دراسات عن المتنبي، لم تُنقض نتائجها أو يأتي سواه من الباحثين بما يتجاوزها. بل انه يتعذر فهم شعر المتنبي، سواء في الغزل أو في سواه، كما يتعذر فهم شخصيته، إن لم يوضع فرض «علويته»، وكذلك فرض «خولة» في الاعتبار. فالمتنبي لم يكن ليقول ما قاله في شعره عن نفسه لو كان بالفعل «ابن سقّاء» يبيع الماء في الكوفة، ولم يكن ليقول هذا الغزل الراقي الرفيع المقام لو كانت المرأة التي يقول فيها غزله مجرد بدوية التقى بها في مضارب الأعراب، أو مجرد امرأة كباقي النساء.
اليوم تجزى كل نفس - YouTube
وفي الخبر: ولا ينتصف النهار حتى يقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار. شرح المفردات و معاني الكلمات: اليوم, تجزى, نفس, كسبت, ظلم, اليوم, الله, سريع, الحساب, تحميل سورة غافر mp3: محرك بحث متخصص في القران الكريم Friday, April 22, 2022 لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب