ثم ينادي ثانية: ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم; ليقم الذين كانت جنوبهم تتجافى عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون. قال: فيقومون فيسرحون إلى الجنة. قال: ثم ينادي ثالثة: ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم; ليقم الذين كانوا لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ، فيقومون فيسرحون إلى الجنة. تفسير تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون [ السجدة: 16]. ذكره الثعلبي مرفوعا عن أسماء بنت يزيد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة جاء مناد فنادى بصوت تسمعه الخلائق كلهم: سيعلم أهل الجمع اليوم من أولى بالكرم ، ليقم الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع فيقومون وهم قليل ، ثم ينادي الثانية ستعلمون اليوم من أولى بالكرم ، ليقم الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله فيقومون ، ثم ينادي الثالثة ستعلمون اليوم من أولى بالكرم ، ليقم الحامدون لله على كل حال في السراء والضراء فيقومون وهم قليل فيسرحون جميعا إلى الجنة ، ثم يحاسب سائر الناس. وذكر ابن المبارك قال أخبرنا معمر عن رجل عن أبي العلاء بن الشخير عن أبي ذر قال: ثلاثة يضحك الله إليهم ويستبشر الله بهم: رجل قام من الليل وترك فراشه ودفأه ، ثم توضأ فأحسن الوضوء ، ثم قام إلى الصلاة; فيقول الله لملائكته: ( ما حمل عبدي على ما صنع) فيقولون: ربنا أنت أعلم به منا; فيقول: ( أنا أعلم به ولكن أخبروني) فيقولون: رجيته شيئا فرجاه وخوفته فخافه.
تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) قوله تعالى: تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون قوله تعالى: تتجافى جنوبهم عن المضاجع أي ترتفع وتنبو عن مواضع الاضطجاع. وهو في موضع نصب على الحال; أي متجافية جنوبهم. والمضاجع جمع مضجع; وهي مواضع النوم. ويحتمل عن وقت الاضطجاع ، ولكنه مجاز ، والحقيقة أولى. ومنه قول عبد الله بن رواحة: وفينا رسول الله يتلو كتابه إذا انشق معروف من الصبح ساطع يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع قال الزجاج والرماني: التجافي التنحي إلى جهة فوق. تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا. وكذلك هو في الصفح عن المخطئ في سب ونحوه. والجنوب جمع جنب. وفيما تتجافى جنوبهم عن المضاجع لأجله قولان: أحدهما: لذكر الله تعالى ، إما في صلاة وإما في غير صلاة; قاله ابن عباس والضحاك. الثاني: للصلاة. وفي الصلاة التي تتجافى جنوبهم لأجلها أربعة أقوال: أحدها: التنفل بالليل; قاله الجمهور من المفسرين وعليه أكثر الناس ، وهو الذي فيه المدح ، وهو قول مجاهد والأوزاعي ومالك بن أنس والحسن بن أبي الحسن وأبي العالية وغيرهم.
إن نعمة القيام لا ينالها إلا مَن كان يومه في عبادة وتقوى من الله - عز وجل - فهي مكرمة من الله - عز وجل - للعبد المؤمن في آخر يومه، في أن يزيد في جني الحسنات ويضاعفها في ليل يسجد فيه، ويبكي من خشية الله. نسأل الله - تعالى - أن يحشرنا والمسلمين مع سلفنا الصالح، وقائد الجمع نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ويجعلنا ممن تتجافى جنوبهم عن المضاجع، يسعون لعبادة التهجد والقيام، ولا يمنعهم من ذلك حَرٌّ ولا برد.
تتجافى جنوبُهم عن وطيءِ المضاجعِ كلهم بين خائفٍ مستجير وطامعِ تركوا لذة الكرى للعيون الهواجع ورعوا أنجم الدجى طالعاً بعد طالع لو تراهم إذا همُ خطروا بالأصابع وإذا هم تأوَّهوا عند مرِّ القوارع وإذا باشروا الثرى بالخدود الضوارع واستهلَّت عيونهم فائضاتِ المدامع ودعوا يا مليكنا يا جميل الصنائع أعف عنا ذنوبنا للوجوه الخواشع للعيون الدوامع أنت إن لم يكن لنا شافعٌ خيرُ شافع فأُجيبوا إجابة لم تقع في المسامع ليس ما تصنعونه أوليائي بضائع تاجروني بطاعتي تربحوا في البضائع وابذلوا لي نفوسكم إنها في ودائعي
ثم قال: لا نعلم روى أسلم عن بلال سواه ، وليس له طريق عن بلال غير هذه الطريق.
وليس معنى ذلك أن لا يكون للعمل قيمته في مقام التفاضل، أو للصفات الأخرى موقعٌ في ساحة التقدير، فقد أكد الله عدم استواء الذين يعلمون والذين لا يعلمون، ولكن المسألة هي في تفاعل العلم مع الإيمان والمسؤولية، وحركة الصفات الذاتية الأخرى في نطاق الصفات الإيمانية والعملية.
حدثني محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثنا آدم، قال: ثنا سفيان، قال: ثنا منصور بن المعتمر، عن الحكم بن عُتيبة، عن ميمون بن أبي شبيب، عن معاذ بن جبل، &; 20-182 &; قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنْ شِئْتَ أَنْبَأْتُكَ بأبْوابِ الخَيْرِ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ، والصَّدَقَةُ تُكَفِّرُ الخَطِيئَةَ، وَقِيامُ الرَّجُلِ في جَوْفِ اللَّيْلِ" ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ). حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يزيد بن حيان، عن حماد بن سلمة، قال: ثنا عاصم بن أبي النجود، عن شهر بن حوشب، عن معاذ بن جبل، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ) قال: " قِيامُ العَبْدِ مِن اللَّيْل ". حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع، قال: ثني أبي، قال: ثني زياد بن خيثمة، عن أبي يحيى بائع القتّ، عن مجاهد، قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قيام الليل، ففاضت عيناه حتى تحادرت دموعه، فقال: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ). وأما قوله: (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفا وَطَمَعا... ) الآية، فإن بنحو الذي قلنا (4) في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة ( يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) قال: خوفا من عذاب الله، وطمعا في رحمة الله، ومما رزقناهم ينفقون فى طاعة الله، وفي سبيله.